كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 5)
بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَل. وَأَمَّا الإِْقَالَةُ فَقَدِ اعْتَبَرَهَا بَعْضُهُمْ فَسْخًا، وَاعْتَبَرَهَا آخَرُونَ بَيْعًا (1)
. حُكْمُ الإِْقَالَةِ التَّكْلِيفِيِّ:
4 - الإِْقَالَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ بِحَسَبِ حَالَةِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَيْهَا إِذَا نَدِمَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ، لِحَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {مَنْ أَقَال مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَال اللَّهُ عَثْرَتَهُ} (2) . وَقَدْ دَل الْحَدِيثُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الإِْقَالَةِ، وَعَلَى أَنَّهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، لِوَعْدِ الْمُقِيلِينَ بِالثَّوَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمُقَال مُسْلِمًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ حُكْمًا أَغْلَبِيًّا، وَإِلاَّ فَثَوَابُ الإِْقَالَةِ ثَابِتٌ فِي إِقَالَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ: {مَنْ أَقَال نَادِمًا. . .} . وَتَكُونُ الإِْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَتْ بَعْدَ عَقْدٍ مَكْرُوهٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ، لأَِنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إِلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَال صَوْنًا لَهُمَا عَنِ الْمَحْظُورِ، لأَِنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالإِْقَالَةِ أَوْ بِالْفَسْخِ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الإِْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَ الْبَائِعُ غَارًّا لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْغَبْنُ
__________
(1) فتح القدير 6 / 489 - 491.
(2) حديث: من أقال مسلما. . . . . . " أخرجه أبو داود 3 / 738 - ط عزت عبيد دعاس. وصححه ابن دقيق العيد كما في الفيض للمناوي 6 / 79 - ط المكتبة التجارية.
بِالْيَسِيرِ هُنَا، لأَِنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الرَّدَّ إِنْ غَرَّهُ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ (1) .
رُكْنُ الإِْقَالَةِ:
5 - رُكْنُ الإِْقَالَةِ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول الدَّالاَّنِ عَلَيْهَا. فَإِذَا وُجِدَ الإِْيجَابُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْقَبُول مِنَ الآْخَرِ بِلَفْظٍ يَدُل عَلَيْهِ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ، وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُول فِي الْمَجْلِسِ، نَصًّا بِالْقَوْل أَوْ دَلاَلَةً بِالْفِعْل. وَيَأْتِي الْقَبُول مِنَ الآْخَرِ بَعْدَ الإِْيجَابِ، أَوْ تَقَدَّمَ السُّؤَال، أَوْ قَبَضَ الآْخَرُ مَا هُوَ لَهُ فِي مَجْلِسِ الإِْقَالَةِ أَوْ مَجْلِسِ عِلْمِهَا، لأَِنَّ مَجْلِسَ الْعِلْمِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ كَمَجْلِسِ اللَّفْظِ فِي الْحَاضِرِ، فَلاَ يَصِحُّ مِنَ الْحَاضِرِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهَا (2) .
الأَْلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الإِْقَالَةُ:
6 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الإِْقَالَةَ تَنْعَقِدُ صَحِيحَةً بِلَفْظِ الإِْقَالَةِ أَوْ مَا يَدُل عَلَيْهَا، كَمَا لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَاضِي. وَلَكِنَّ الْخِلاَفَ فِي صِيغَةِ اللَّفْظِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا وَالآْخَرُ مُسْتَقْبَلاً. فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ وَالآْخَرُ مَاضٍ، كَمَا لَوْ قَال: أَقِلْنِي: فَقَال، أَقَلْتُكَ، أَوْ قَال لَهُ: جِئْتُكَ لِتُقِيلَنِي، فَقَال: أَقَلْتُكَ، فَهِيَ تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ كَمَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ.
__________
(1) سبل السلام للصنعاني 3 / 42 - 43، 4 / 491، وشرح العناية على الهداية للبابرتي 6 / 486، والبحر الرائق 6 / 110 - 111.
(2) البدائع 7 / 3394، ومجمع الأنهر 2 / 54، والبحر الرائق 6 / 110.
الصفحة 325