كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 5)
الأُْخْرَى، فَإِنَّهَا تُعْطِي الشَّفِيعَ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِيمَا رُدَّ بِالإِْقَالَةِ. فَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّهِمَا، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ تَقَايُل الْبَيْعِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَمَنِ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ، فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، أَوِ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ بُنِيَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ. وَعَلَى أَصْل أَبِي حَنِيفَةَ تَكُونُ الإِْقَالَةُ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالشَّفِيعُ غَيْرُهُمَا، فَتَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّهِ فَيَسْتَحِقُّ. وَعَلَى أَصْل أَبِي يُوسُفَ تُعَدُّ الإِْقَالَةُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْكُل، وَلاَ مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَلِهَذَا الشَّفِيعِ الأَْخْذُ بِالشُّفْعَةِ، إِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الأَْوَّل، وَإِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الْحَاصِل بِالإِْقَالَةِ، أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ: مِنَ الْمُشْتَرِي لأَِجْل الشِّرَاءِ، أَوْ مِنَ الْبَائِعِ لِشِرَائِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي بِالإِْقَالَةِ، حَيْثُ تَكُونُ الإِْقَالَةُ بَيْعًا مِنَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ، وَحَيْثُ تَكُونُ فَسْخَ بَيْعٍ فَتُؤْخَذُ مِنَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَلاَ يَتِمُّ فَسْخُهُ إِلاَّ إِنْ رَضِيَ الشَّفِيعُ لأَِنَّ الشِّرَاءَ لَهُ (1) .
إِقَالَةُ الْوَكِيل:
11 - مَنْ مَلَكَ الْبَيْعَ مَلَكَ الإِْقَالَةَ، فَصَحَّتْ إِقَالَةُ الْمُوَكِّل بَيْعَ وَكِيلِهِ، وَتَصِحُّ إِقَالَةُ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ إِذَا
__________
(1) البدائع 6 / 2689، 7 / 3399، وابن عابدين على البحر 6 / 112 - 113، وحاشية سعدي جلبي بهامش فتح القدير 6 / 487.
تَمَّتْ قَبْل قَبْضِ الثَّمَنِ. فَإِنْ أَقَال بَعْدَ قَبْضِهِ يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّل، إِذْ تُعْتَبَرُ الإِْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيل حِينَئِذٍ شِرَاءً لِنَفْسِهِ. وَبِإِقَالَةِ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ الْوَكِيل. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لاَ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي أَصْلاً. وَتَجُوزُ الإِْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيل بِالسَّلَمِ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالإِْبْرَاءِ، خِلاَفًا لأَِبِي يُوسُفَ. وَالْمُرَادُ بِإِقَالَةِ الْوَكِيل بِالسَّلَمِ: الْوَكِيل بِشِرَاءِ السَّلَمِ، بِخِلاَفِ الْوَكِيل بِشِرَاءِ الْعَيْنِ. وَإِقَالَةُ الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ لاَ تَجُوزُ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ بِخِلاَفِ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لاَ تَجُوزُ إِقَالَةُ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا. وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ التَّوْكِيل فِي حَقِّ كُل آدَمِيٍّ مِنَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ. وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ التَّوْكِيل بِالإِْقَالَةِ عِنْدَهُمُ ابْتِدَاءً، سَوَاءٌ أَقُلْنَا: إِنَّ الإِْقَالَةَ فَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمْ بَيْعٌ. هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَنْ لَهُ حَقُّ الإِْقَالَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ سِوَى الْوَرَثَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ. أَمَّا حُكْمُ الإِْقَالَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ وَالْوَكِيل بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَطَرَّقُوا لَهُ. وَالْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِأَقَل مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّ إِقَالَتَهُ لاَ تَصِحُّ (1) .
__________
(1) شرح العناية على الهداية 6 / 493، والبحر الرائق وحاشية ابن عابدين عليه 6 / 111، والمدونة 5 / 83، والروضة 3 / 494، والجمل 3 / 156، وشرح البهجة 3 / 173، وقليوبي على شرح المنهاج 2 / 210، والشرواني على التحفة 4 / 392، والمبدع 4 / 126، والإنصاف 4 / 480، 5 / 356.
الصفحة 328