كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 5)
مِنْ مُخَالَفَاتِ الإِْحْرَامِ مَثَلاً، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
ب - وَتَصَرُّفَاتٌ هِيَ حُقُوقُ الْعِبَادِ، وَهِيَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
(1) تَصَرُّفَاتٌ غَيْرُ عَقَدِيَّةٍ، كَالإِْتْلاَفِ، وَالْقَذْفِ، وَالْغَصْبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذِهِ إِذَا وَقَعَتْ لاَ يَلْحَقُهَا إِصْلاَحٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَكِنْ ذَلِكَ لاَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَلْحَقَ الإِْصْلاَحُ الآْثَارَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهَا، وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الضَّرَرُ مِنْ آثَارِ الإِْتْلاَفِ مَثَلاً، فَإِنَّ الضَّرَرَ يُرْفَعُ بِالضَّمَانِ، كَمَا سَيَأْتِي.
(2) تَصَرُّفَاتٌ عَقَدِيَّةٌ: وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ إِنْ كَانَ الْخَلَل طَارِئًا عَلَى أَحَدِ أَرْكَانِهَا، حَتَّى يُصْبِحَ الْعَقْدُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَلْحَقُهُ إِصْلاَحٌ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مُصْطَلَحِ (بُطْلاَنٌ) .
أَمَّا إِنْ كَانَ الْخَلَل طَارِئًا عَلَى الْوَصْفِ دُونَ الأَْصْل، فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ بِلَحَاقِ الإِْصْلاَحِ هَذَا الْعَقْدَ، وَيُخَالِفُهُمُ الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ، كَمَا يَأْتِي فِي مُصْطَلَحِ (فَسَادٌ) . (1)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ لِلإِْصْلاَحِ:
5 - مِنَ اسْتِقْرَاءِ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَقَل دَرَجَاتِ الإِْصْلاَحِ النَّدْبُ، كَإِصْلاَحِ الْمَالِكِ الشَّيْءَ الْمُعَارَ لاِسْتِمْرَارِ الاِنْتِفَاعِ بِالْعَارِيَّةِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
وَقَدْ يَكُونُ الإِْصْلاَحُ وَاجِبًا، كَمَا هُوَ الْحَال فِي سُجُودِ السَّهْوِ الْوَاجِبِ لإِِصْلاَحِ الْخَلَل الَّذِي وَقَعَ فِي الصَّلاَةِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ، بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ، وَفِي ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَالإِْصْلاَحُ بَيْنَ
__________
(1) المستصفى 1 / 95، وقليوبي 3 / 19.
الْفِئَتَيْنِ الْبَاغِيَتَيْنِ. (1) كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} . (2)
وَسَائِل الإِْصْلاَحِ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
6 - مِنَ اسْتِقْرَاءِ الأَْحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الإِْصْلاَحَ يَتِمُّ بِوَسَائِل عَدِيدَةٍ مِنْهَا:
أ - إِكْمَال النَّقْصِ، فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دُونَ أَنْ يَمَسَّهُ الْمَاءُ يَصْلُحُ وُضُوءُهُ بِغُسْل ذَلِكَ الْجُزْءِ الْمَتْرُوكِ بِالْمَاءِ، بِشُرُوطٍ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي الْوُضُوءِ، وَمِثْل ذَلِكَ الْغُسْل.
وَمِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ إِصْلاَحِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَل أَوِ النَّقْصُ مِمَّا تَتَعَطَّل بِهِ الْمَنَافِعُ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الإِْجَارَةِ.
ب - التَّعْوِيضُ عَنِ الضَّرَرِ: وَيَتَمَثَّل ذَلِكَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْجِنَايَاتِ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَفِي ضَمَانِ الإِْتْلاَفَاتِ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ، وَكَمَا سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ (إِتْلاَفٌ) .
ج - (الزَّكَوَاتُ) : كَزَكَاةِ الْمَال الَّتِي هِيَ طُهْرَةٌ لِلْمُزَكِّي وَكِفَايَةٌ لِلْفَقِيرِ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ الَّتِي هِيَ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ وَكِفَايَةٌ لِلْفَقِيرِ. (3)
د - (الْعُقُوبَاتُ) : مِنْ حُدُودٍ وَقِصَاصٍ وَتَعْزِيرَاتٍ وَتَأْدِيبٍ، وَكُلُّهَا شُرِعَتْ لِتَكُونَ وَسِيلَةَ إِصْلاَحٍ، قَال تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَْلْبَابِ} . (4)
هـ - (الْكَفَّارَاتُ) : فَإِنَّهَا شُرِعَتْ لإِِصْلاَحِ خَلَلٍ فِي
__________
(1) تفسير القرطبي 16 / 317 طبع دار الكتب، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 490 الطبعة الأولى.
(2) سورة الحجرات / 9.
(3) إحياء علوم الدين 1 / 214.
(4) سورة البقرة / 179.
الصفحة 63