كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 5)

وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ عَلَى السُّنِّيَّةِ بِأَدِلَّةٍ: مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {إِذَا دَخَل الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ بَشَرِهِ شَيْئًا} . (1) وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: {وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ} فَجَعَلَهُ مُفَوَّضًا إِلَى إِرَادَتِهِ، وَلَوْ كَانَتِ التَّضْحِيَةُ وَاجِبَةً لاَقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: {فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ} . وَمِنْهَا أَيْضًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا لاَ يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، مَخَافَةَ أَنْ يُرَى ذَلِكَ وَاجِبًا (2) . وَهَذَا الصَّنِيعُ مِنْهُمَا يَدُل عَلَى أَنَّهُمَا عَلِمَا مِنَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلاَفُ ذَلِكَ. 8 - وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَبِهِ قَال رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَل لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (3) فَقَدْ قِيل فِي تَفْسِيرِهِ صَل صَلاَةَ الْعِيدِ وَانْحَرِ الْبُدْنَ، وَمُطْلَقُ الأَْمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَمَتَى وَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ عَلَى الأُْمَّةِ لأَِنَّهُ قُدْوَتُهَا. وَبِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا} ، (4) وَهَذَا كَالْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِ
__________
(1) حديث: " إذا دخل العشر. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1565 ط عيسى الحلبي) .
(2) والأثر عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما " كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لا يضحيان السنة والسنتين " أخرجه البيهقي (9 / 265 - ط دار المعارف العثمانية) وحسنه النووي في المجموع (8 / 383 - ط المنيرية) .
(3) سورة الكوثر / 2.
(4) حديث: " من كان له سعة. . . . . " سبق تخريجه (ف / 6) .
التَّضْحِيَةِ، وَالْوَعِيدُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ. وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {مَنْ ذَبَحَ قَبْل الصَّلاَةِ فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ} ، (1) فَإِنَّهُ أَمَرَ بِذَبْحِ الأُْضْحِيَّةِ وَبِإِعَادَتِهَا إِذَا ذُكِّيَتْ قَبْل الصَّلاَةِ، وَذَلِكَ دَلِيل الْوُجُوبِ. (2) ثُمَّ إِنَّ الْحَنَفِيَّةَ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ يَقُولُونَ: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَيْنًا عَلَى كُل مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْوُجُوبِ. فَالأُْضْحِيَّةُ الْوَاحِدَةُ كَالشَّاةِ وَسُبْعِ الْبَقَرَةِ وَسُبْعِ الْبَدَنَةِ إِنَّمَا تُجْزِئُ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ. 9 - وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالسُّنِّيَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول: إِنَّهَا سُنَّةُ عَيْنٍ أَيْضًا، كَالْقَوْل الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَعِنْدَهُ لاَ يُجْزِئُ الأُْضْحِيَّةُ الْوَاحِدَةُ عَنِ الشَّخْصِ وَأَهْل بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول: إِنَّهَا سُنَّةُ عَيْنٍ وَلَوْ حُكْمًا، بِمَعْنَى أَنَّ كُل وَاحِدٍ مُطَالَبٌ بِهَا، وَإِذَا فَعَلَهَا وَاحِدٌ بِنِيَّةِ نَفْسِهِ وَحْدَهُ لَمْ تَقَعْ إِلاَّ عَنْهُ، وَإِذَا فَعَلَهَا بِنِيَّةِ إِشْرَاكِ غَيْرِهِ فِي الثَّوَابِ، أَوْ بِنِيَّةِ كَوْنِهَا لِغَيْرِهِ أَسْقَطَتِ الطَّلَبَ عَمَّنْ أَشْرَكَهُمْ أَوْ أَوْقَعَهَا عَنْهُمْ. وَهَذَا رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الشَّخْصَ إِذَا ضَحَّى نَاوِيًا نَفْسَهُ فَقَطْ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْهُ، وَإِذَا ضَحَّى نَاوِيًا نَفْسَهُ وَأَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ وَأَوْلاَدَهُ الصِّغَارَ، وَقَعَتِ التَّضْحِيَةُ عَنْهُمْ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهُ فِي الثَّوَابِ - قَبْل الذَّبْحِ - وَلَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ بِثَلاَثِ شَرَائِطَ: (الأُْولَى) : أَنْ يَسْكُنَ مَعَهُ.
__________
(1) حديث: " من ذبح قبل الصلاة. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1551 - ط الحلبي) .
(2) بدائع الصنائع 5 / 62.

الصفحة 77