كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 5)
الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً مَثَلاً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ بِهَا فِي الْوَقْتِ. وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ مَنْ نَذَرَ مُعَيَّنَةً، وَبِهَا عَيْبٌ مُخِلٌّ بِالإِْجْزَاءِ صَحَّ نَذْرُهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ ذَبْحُهَا فِي الْوَقْتِ، وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلُهَا. وَمَنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً بِهَا عَيْبٌ مُخِلٌّ بِالإِْجْزَاءِ لَمْ يَصِحَّ تَعْيِينُهُ إِلاَّ إِذَا كَانَ قَدْ نَذَرَهَا مَعِيبَةً، كَأَنْ قَال: عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِشَاةٍ عَرْجَاءَ بَيِّنَةِ الْعَرَجِ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ مِثْل مَا قَال الشَّافِعِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ أَجَازُوا إِبْدَال الْمُعَيَّنَةِ بِخَيْرٍ مِنْهَا، لأَِنَّ هَذَا أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ. وَدَلِيل وُجُوبِ الأُْضْحِيَّةِ بِالنَّذْرِ: أَنَّ التَّضْحِيَةَ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ كَهَدْيِ التَّمَتُّعِ، فَتَلْزَمُ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ، وَالْوُجُوبُ بِسَبَبِ النَّذْرِ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ.
أُضْحِيَّةُ التَّطَوُّعِ:
12 - مَنْ لَمْ تَجِبِ التَّضْحِيَةُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَوَفُّرِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِهَا عِنْدَ مَنْ قَال بِالْوُجُوبِ، وَلِعَدَمِ تَوَفُّرِ شُرُوطِ السُّنِّيَّةِ عِنْدَ مَنْ قَال بِأَنَّهَا سُنَّةٌ، فَالأُْضْحِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ تَطَوُّعًا.
شُرُوطُ وُجُوبِ الأُْضْحِيَّةِ أَوْ سُنِّيَّتُهَا:
13 - الأُْضْحِيَّةُ إِذَا كَانَتْ وَاجِبَةً بِالنَّذْرِ فَشَرَائِطُ وُجُوبِهَا هِيَ شَرَائِطُ النَّذْرِ، وَهِيَ: الإِْسْلاَمُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْل وَالْحُرِّيَّةُ وَالاِخْتِيَارُ، وَلِتَفْصِيلِهَا يُرَاجَعُ بَابُ النَّذْرِ.
وَإِذَا كَانَتْ وَاجِبَةً بِالشَّرْعِ (عِنْدَ مَنْ يَقُول بِذَلِكَ) فَشُرُوطُ وُجُوبِهَا أَرْبَعَةٌ، وَزَادَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ شَرْطَيْنِ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ أَوْ بَعْضُهَا مُشْتَرَطَةٌ فِي سُنِّيَّتِهَا أَيْضًا عِنْدَ مَنْ قَال بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ شَرْطًا فِي سُنِّيَّتِهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا يَلِي: 14 - (الشَّرْطُ الأَْوَّل) : الإِْسْلاَمُ، فَلاَ تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلاَ تُسَنُّ لَهُ، لأَِنَّهَا قُرْبَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْقُرَبِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وُجُودُ الإِْسْلاَمِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ الَّذِي تُجْزِئُ فِيهِ التَّضْحِيَةُ، بَل يَكْفِي وُجُودُهُ آخِرَ الْوَقْتِ، لأَِنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَفْضُل عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، فَيَكْفِي فِي وُجُوبِهَا بَقَاءُ جُزْءٍ مِنَ الْوَقْتِ كَالصَّلاَةِ، وَكَذَا يُقَال فِي جَمِيعِ الشُّرُوطِ الآْتِيَةِ، وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ وَالْقَائِلِينَ بِالسُّنِّيَّةِ، بَل إِنَّهُ أَيْضًا شَرْطٌ لِلتَّطَوُّعِ. 15 - (الشَّرْطُ الثَّانِي) : الإِْقَامَةُ، فَلاَ تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ، لأَِنَّهَا لاَ تَتَأَدَّى بِكُل مَالٍ وَلاَ فِي كُل زَمَانٍ، بَل بِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، وَالْمُسَافِرُ لاَ يَظْفَرُ بِهِ فِي كُل مَكَانٍ فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا عَلَيْهِ لاَحْتَاجَ لِحَمْل الأُْضْحِيَّةِ مَعَ نَفْسِهِ، وَفِيهِ مِنَ الْحَرَجِ مَا لاَ يَخْفَى، أَوِ احْتَاجَ إِلَى تَرْكِ السَّفَرِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ، فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى امْتِنَاعِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، بِخِلاَفِ الْمُقِيمِ وَلَوْ كَانَ حَاجًّا، لِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّفُ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ أَهْلِهِ أَثْمَانَ الضَّحَايَا، وَذَلِكَ لِيُضَحُّوا عَنْهُ تَطَوُّعًا (1) . وَيُحْتَمَل أَنَّهُ لِيُضَحُّوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لاَ عَنْهُ، فَلاَ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ مَعَ الاِحْتِمَال.
__________
(1) والأثر عن ابن عمر رضي الله عنهما.
الصفحة 79