كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 5)
هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ، وَأَمَّا مَنْ قَال بِالسُّنِّيَّةِ فَلاَ يُشْتَرَطُ هَذَا الشَّرْطُ، وَكَذَلِكَ لاَ يُشْتَرَطُ فِي التَّطَوُّعِ، لأَِنَّهُ لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى سُنِّيَّتِهَا وَلاَ التَّطَوُّعِ بِهَا حَرَجٌ.
16 - (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) : الْغِنَى - وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْيَسَارِ - لِحَدِيثِ {مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا} (1) وَالسَّعَةُ هِيَ الْغِنَى، وَيَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِ الإِْنْسَانِ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرُونَ دِينَارًا، أَوْ شَيْءٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ، سِوَى مَسْكَنِهِ وَحَوَائِجِهِ الأَْصْلِيَّةِ وَدُيُونِهِ. (2) وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَتَحَقَّقُ الْغِنَى بِأَلاَّ تُجْحِفَ الأُْضْحِيَّةُ بِالْمُضَحِّي، بِأَلاَّ يَحْتَاجَ لِثَمَنِهَا فِي ضَرُورِيَّاتِهِ فِي عَامِهِ. (3) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّمَا تُسَنُّ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَنْ مَلَكَ مَا يَحْصُل بِهِ الأُْضْحِيَّةُ، فَاضِلاً عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلاَثَةِ وَلَيَالِيِهَا. (4)
17 - (الشَّرْطَانِ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ) : الْبُلُوغُ وَالْعَقْل، وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ اشْتَرَطَهُمَا مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، فَعِنْدَهُمَا تَجِبُ التَّضْحِيَةُ فِي مَال الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إِذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ، فَلَوْ ضَحَّى الأَْبُ أَوِ الْوَصِيُّ عَنْهَا مِنْ مَالِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَيَضْمَنُ فِي قَوْل مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَهَذَا الْخِلاَفُ
__________
(1) حديث: " من كان له سعة ولم يضح. . . . " سبق تخريجه (ف / 6) .
(2) ابن عابدين 5 / 198.
(3) الدسوقي 2 / 118.
(4) البجيرمي على المنهج 4 / 295.
كَالْخِلاَفِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَلِتَفْصِيل حُجَجِ الْفَرِيقَيْنِ يُرْجَعُ لِمُصْطَلَحِ (صَدَقَةُ الْفِطْرِ) . 18 - وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي الْجُنُونِ وَالإِْفَاقَةِ، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَهُوَ عَلَى الاِخْتِلاَفِ، وَإِنْ كَانَ مُفِيقًا وَجَبَتْ مِنْ مَالِهِ بِلاَ خِلاَفٍ، وَقِيل: إِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ كَيْفَمَا كَانَ. وَهَذَا الَّذِي قَرَّرَهُ صَاحِبُ " الْبَدَائِعِ " يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْقَوْل بِالْوُجُوبِ، لَكِنْ صَحَّحَ صَاحِبُ الْكَافِي الْقَوْل بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَاعْتَمَدَهُ صَاحِبُ " الدُّرِّ الْمُخْتَارِ " نَاقِلاً عَنْ مَتْنِ " مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ " أَنَّهُ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ، وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ هَذَا الْقَوْل اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَدَّمَهُ، وَعَبَّرَ عَنْ مُقَابِلِهِ بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ، وَهِيَ " قِيل ". (1) هَذَا كُلُّهُ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُشْتَرَطُ فِي سُنِّيَّةِ التَّضْحِيَةِ الْبُلُوغُ وَلاَ الْعَقْل، فَيُسَنُّ لِلْوَلِيِّ التَّضْحِيَةُ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ مِنْ مَالِهِمَا، وَلَوْ كَانَا يَتِيمَيْنِ. (2) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ مَحْجُورِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُمْ مِنْ مَالِهِ إِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا، وَكَأَنَّهُ مَلَكَهَا لَهُمْ وَذَبَحَهَا عَنْهُمْ، فَيَقَعُ لَهُ ثَوَابُ التَّبَرُّعِ لَهُمْ، وَيَقَعُ لَهُمْ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ. (3) وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي الْيَتِيمِ الْمُوسِرِ: يُضَحِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ مَالِهِ، أَيْ مَال الْمَحْجُورِ، وَهَذَا عَلَى سَبِيل
__________
(1) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 5 / 201.
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 119.
(3) البجيرمي على المنهج 4 / 300.
الصفحة 80