كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)
الْعِلْمِ، بِشَرَائِطَ خَاصَّةٍ - وَذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ إِلَى أَنَّ التَّهْدِيدَ فِي أَجْنَبِيٍّ إِكْرَاهٌ فِي الأَْيْمَانِ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ (1) .
4 - وَالْفِعْل، فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) ، هُوَ أَيْضًا أَعَمُّ مِنْ فِعْل اللِّسَانِ وَغَيْرِهِ، إِلاَّ أَنَّ أَفْعَال الْقُلُوبِ لاَ تَقْبَل الإِْكْرَاهَ، فَيَشْمَل الْقَوْل بِلاَ شَكٍّ. (2)
وَفِيمَا يُسَمِّيهِ فُقَهَاؤُنَا بِالْمُصَادَرَةِ فِي أَبْوَابِ الْبُيُوعِ وَمَا إِلَيْهَا، الْفِعْل الَّذِي يُطْلَبُ مِنَ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) دَفْعُ الْمَال وَغَرَامَتُهُ، لاَ سَبَبُ الْحُصُول عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ - كَاسْتِقْرَاضٍ - فَيَصِحُّ السَّبَبُ وَيَلْزَمُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ مَخْلَصَ لَهُ إِلاَّ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ، إِلاَّ أَنَّ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ فِي إِكْرَاهِهِ إِيَّاهُ. وَلِذَا قَالُوا: إِنَّ الْحِيلَةَ فِي جَعْل السَّبَبِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ - أَنْ يَقُول الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مِنْ أَيْنَ أَتَى بِالْمَال، فَإِذَا عَيَّنَ لَهُ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) سَبَبًا، كَأَنْ قَال لَهُ: بِعْ كَذَا، أَوْ عِنْدَ ابْنِ نُجَيْمٍ اقْتَصَرَ عَلَى الأَْمْرِ بِالْبَيْعِ دُونَ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ، وَقَعَ هَذَا السَّبَبُ الْمُعَيَّنُ تَحْتَ طَائِلَةِ الإِْكْرَاهِ.
وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلاَّ الْمَالِكِيَّةُ - بِاسْتِثْنَاءِ ابْنِ كِنَانَةَ وَمُتَابِعِيهِ - إِذْ جَعَلُوا السَّبَبَ أَيْضًا مُكْرَهًا عَلَيْهِ بِإِطْلاَقٍ. (3)
وَيَشْمَل التَّهْدِيدَ بِإِيذَاءِ الْغَيْرِ، مِمَّنْ يُحِبُّهُ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ التَّهْدِيدُ - عَلَى الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ فِيمَا يَحْصُل بِهِ الإِْكْرَاهُ مِنْ أَسْبَابِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ - بِشَرِيطَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
__________
(1) قواعد ابن رجب 37.
(2) أشباه السيوطي 208، وتيسير التحرير 2 / 303.
(3) رد المحتار 5 / 88، والبحر الرائق 8 / 80، والمنحة على العاصمية 2 / 41، وقليوبي على المنهاج 2 / 156.
الْمَحْبُوبُ رَحِمًا مَحْرَمًا، أَوْ - كَمَا زَادَ بَعْضُهُمْ - زَوْجَةً. (1)
وَالْمَالِكِيَّةُ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ يُقَيِّدُونَهُ بِأَنْ يَكُونَ وَلَدًا وَإِنْ نَزَل، أَوْ وَالِدًا وَإِنْ عَلاَ. وَالشَّافِعِيَّةُ - وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الأُْصُولِيَّةِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يُقَيِّدُونَهُ إِلاَّ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَشُقُّ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِيذَاؤُهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً كَالزَّوْجَةِ، وَالصَّدِيقِ، وَالْخَادِمِ. وَمَال إِلَيْهِ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ. حَتَّى لَقَدِ اعْتَمَدَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مِنَ الإِْكْرَاهِ مَا لَوْ قَال الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، أَوِ الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ (دُونَ غَيْرِهِمَا) : طَلِّقْ زَوْجَتَكَ، وَإِلاَّ قَتَلْتُ نَفْسِي، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَال: وَإِلاَّ كَفَرْتُ، لأَِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَال. (2)
وَفِي التَّقْيِيدِ بِالْوَلَدِ أَوِ الْوَالِدِ نَظَرٌ لاَ يَخْفَى.
كَمَا أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى نَحْوِ الإِْلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ، أَيِ: الإِْلْجَاءِ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ الْمُنَافِي لِلْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ مِنَ الْفِعْل وَالتَّرْكِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ - وَجَارَاهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - اكْتَفُوا بِظَنِّ الضَّرَرِ مِنْ جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِنْ لَمْ يَفْعَل، وَعِبَارَتُهُمْ: يَكُونُ (أَيِ الإِْكْرَاهُ) بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ. (3)
__________
(1) فتح القدير 7 / 293، ورد المحتار 5 / 81، ومجمع الأنهر 2 / 413، والفتاوى الهندية 5 / 41، والتقرير والتحبير 2 / 206.
(2) الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 328، 8 / 441، ونهاية المحتاج 6 / 437، وتحفة المحتاج 7 / 37، والقليوبي على المنهاج 3 / 332، والبجيرمي على المنهج 4 / 64، ومطالب أولي النهى 5 / 325، والإنصاف 8 / 441.
(3) الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 368، والفروع لابن مفلح 3 / 176.
الصفحة 100