كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)
الْمُسْلِمِ وَإِدْخَال السُّرُورِ عَلَى قَلْبِهِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَكْتَفِي الصَّائِمُ بِالدُّعَاءِ لِصَاحِبِ الْوَلِيمَةِ (1) ، وَمَنْ أَضَافَ أَحَدًا وَقَدَّمَ لَهُ الطَّعَامَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُل صَاحِبُ الطَّعَامِ مَعَ ضَيْفِهِ، وَأَلاَّ يَقُومَ عَنِ الطَّعَامِ وَغَيْرُهُ يَأْكُل، مَا دَامَ يَظُنُّ بِهِ حَاجَةً إِلَى الأَْكْل، قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ (2) : يَأْكُل بِالسُّرُورِ مَعَ الإِْخْوَانِ، وَبِالإِْيثَارِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، وَبِالْمُرُوءَةِ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا.
آدَابُ الأَْكْل:
أ - آدَابُ مَا قَبْل الأَْكْل:
8 - أَوَّلاً: مِنْ آدَابِ الأَْكْل السُّؤَال عَنِ الطَّعَامِ إِذَا كَانَ ضَيْفًا عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَلاَ يَطْمَئِنُّ إِلَى مَا قَدْ يُقَدِّمُهُ إِلَيْهِ. فَقَدْ كَانَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَأْكُل طَعَامًا حَتَّى يُحَدَّثَ أَوْ يُسَمَّى لَهُ فَيَعْرِفَ مَا هُوَ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَل مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَيْمُونَةَ، وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حَفِيدَةُ ابْنِ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ، وَأَهْوَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ هُوَ الضَّبُّ
__________
(1) ابن عابدين 5 / 221، والفواكه الدواني 2 / 421، وشرح روض الطالب 3 / 226، والمغني 7 / 2.
(2) ابن عابدين 5 / 196، 216، والكافي لابن عبد البر 2 / 1139، 1140، والفواكه الدواني 2 / 419، وشرح روض الطالب 3 / 227، 228، والآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 197، 212.
يَا رَسُول اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُول اللَّهِ يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ، قَال خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: لاَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ، قَال خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيَّ (1) . وَشَرَحَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَال: قَال ابْنُ التِّينِ: إِنَّمَا كَانَ يَسْأَل، لأَِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لاَ تَعَافُ شَيْئًا مِنَ الْمَآكِل لِقِلَّتِهَا عِنْدَهُمْ، وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَعَافُ بَعْضَ الشَّيْءِ، فَلِذَلِكَ كَانَ يَسْأَل. وَيَحْتَمِل أَنَّهُ كَانَ يَسْأَل لأَِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ وَإِبَاحَةِ بَعْضِهَا، وَكَانُوا لاَ يُحَرِّمُونَ مِنْهَا شَيْئًا، وَرُبَّمَا أَتَوْا بِهِ مَشْوِيًّا أَوْ مَطْبُوخًا فَلاَ يَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهِ إِلاَّ بِالسُّؤَال عَنْهُ.
ثَانِيًا: الْمُبَادَرَةُ إِلَى الأَْكْل إِذَا قُدِّمَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ مِنْ مُضِيفِهِ:
9 - فَإِنَّ مِنْ كَرَامَةِ الضَّيْفِ تَعْجِيل التَّقْدِيمِ لَهُ، وَمِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِ الْمَنْزِل الْمُبَادَرَةُ إِلَى قَبُول طَعَامِهِ وَالأَْكْل مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا رَأَوُا الضَّيْفَ لاَ يَأْكُل ظَنُّوا بِهِ شَرًّا، فَعَلَى الضَّيْفِ أَنْ يُهَدِّئَ خَاطِرَ مُضِيفِهِ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى طَعَامِهِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ اطْمِئْنَانًا لِقَلْبِهِ (2) .
ثَالِثًا: غَسْل الْيَدَيْنِ قَبْل الطَّعَامِ:
10 - يُسْتَحَبُّ غَسْل الْيَدَيْنِ قَبْل الطَّعَامِ، لِيَأْكُل بِهَا وَهُمَا نَظِيفَتَانِ، لِئَلاَّ يَضُرَّ نَفْسَهُ بِمَا قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِمَا مِنَ الْوَسَخِ. وَقِيل: إِنَّ ذَلِكَ لِنَفْيِ الْفَقْرِ، لِمَا فِي
__________
(1) حديث خالد بن الوليد " أنه دخل. . . " رواه البخاري (فتح الباري 9 / 534، 662) وبوب عليه. باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو.
(2) تفسير القرطبي 9 / 64.
الصفحة 118