كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

الْفَصْل بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ:
24 - صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِاسْتِحْبَابِ الْفَصْل بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ بِصَلاَةٍ أَوْ جُلُوسٍ أَوْ وَقْتٍ يَسَعُ حُضُورَ الْمُصَلِّينَ فِيمَا سِوَى الْمَغْرِبِ، مَعَ مُلاَحَظَةِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ لِلصَّلاَةِ.
وَتُكْرَهُ عِنْدَهُمُ الإِْقَامَةُ لِلصَّلاَةِ بَعْدَ الأَْذَانِ مُبَاشَرَةً بِدُونِ هَذَا الْفَصْل، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال لِبِلاَلٍ: اجْعَل بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ نَفَسًا حَتَّى يَقْضِيَ الْمُتَوَضِّئُ حَاجَتَهُ فِي مَهْلٍ، وَحَتَّى يَفْرُغَ الآْكِل مِنْ أَكْل طَعَامِهِ فِي مَهْلٍ
وَفِي رِوَايَةٍ: لِيَكُنْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ مِقْدَارُ مَا يَفْرُغُ الآْكِل مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُعْتَصِرُ إِذَا دَخَل لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ. (1)
وَلأَِنَّ الْمَقْصُودَ بِالأَْذَانِ إِعْلاَمُ النَّاسِ بِدُخُول الْوَقْتِ لِيَتَهَيَّئُوا لِلصَّلاَةِ بِالطَّهَارَةِ فَيَحْضُرُوا الْمَسْجِدَ، وَبِالْوَصْل يَنْتَفِي هَذَا الْمَقْصُودُ، وَتَفُوتُ صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (2)
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ تَحْدِيدُ مِقْدَارِ الْفَصْل بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ، فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِقْدَارَ الْفَصْل فِي الْفَجْرِ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ عِشْرِينَ آيَةً،
__________
(1) حديث: " اجعل من أذانك. . . " أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (5 / 143 - ط الميمنية) من حديث أبي بن كعب، وذكره الهيثمي في المجمع (2 / 4 - ط القدسي) وأعله بالانقطاع. وحديث: " ليكن بين أذانك وإقامتك مقدار ما يفرغ الأكل ". أخرجه الترمذي (1 / 373 - ط الحلبي) وضعفه ابن حجر في التلخيص (1 / 200 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(2) مراقي الفلاح 1 / 107 وابن عابدين 1 / 261، والخرشي 1 / 235ط بولاق، وبدائع الصنائع ا / 410 ط العاصمة، وأسنى المطالب 1 / 130 ط المكتب الإسلامي، وكشاف القناع 1 / 221.
وَفِي الظُّهْرِ قَدْرُ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَقْرَأُ فِي كُل رَكْعَةٍ نَحْوًا مِنْ عَشْرِ آيَاتٍ، وَفِي الْعَصْرِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يَقْرَأُ فِي كُل رَكْعَةٍ نَحْوًا مِنْ عَشْرِ آيَاتٍ. (1)
أَمَّا فِي الْمَغْرِبِ: فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَعْجِيل الإِْقَامَةِ فِيهَا لِحَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَ كُل أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ لِمَنْ شَاءَ إِلاَّ الْمَغْرِبَ (2) لأَِنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى التَّعْجِيل، وَلِمَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ الأَْنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: لَنْ تَزَال أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ (3) وَعَلَى هَذَا يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الْفَصْل بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ فِيهَا يَسِيرًا.
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي مِقْدَارِ هَذَا الْفَصْل الْيَسِيرِ أَقْوَالٌ:
أ - قَال أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةُ: يَفْصِل بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ فِي الْمَغْرِبِ قَائِمًا بِمِقْدَارِ ثَلاَثِ آيَاتٍ، وَلاَ يَفْصِل بِالصَّلاَةِ، لأَِنَّ الْفَصْل بِالصَّلاَةِ تَأْخِيرٌ، كَمَا لاَ يَفْصِل الْمُقِيمُ بِالْجُلُوسِ، لأَِنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْمَغْرِبِ، وَلأَِنَّهُ لَمْ يَفْصِل بِالصَّلاَةِ فَبِغَيْرِهَا أَوْلَى.
ب - وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَفْصِل بِجَلْسَةٍ خَفِيفَةٍ كَالْجَلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْفَصْل
__________
(1) بدائع الصنائع 1 / 410.
(2) حديث: " بين كل أذانين ركعتين ما خلا صلاة المغرب ". أخرجه الدارقطني (1 / 264 - شركة الطباعة الفنية) والبيهقي في المعرفة كما في نصب الراية (1 / 140 - ط المجلس العلمي) وأعلاه بتفرد أحد رواته ثم قال: " لمن شاء ".
(3) حديث: " لا تزال أمتي بخير " - أو قال: " على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم. " أخرجه أبو داود (1 / 291 - ط عزت عبيد دعاس) والحاكم (1 / 190 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه، ووافقه الذهبي.

الصفحة 15