كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ الاِلْتِزَامُ لِلْمَجْهُول، فَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ تَنْفِيل الإِْمَامِ فِي الْجِهَادِ بِقَوْلِهِ مُحَرِّضًا لِلْمُجَاهِدِينَ: " مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ "، وَعِنْدَئِذٍ مَنْ يَقْتُل عَدُوًّا يَسْتَحِقُّ أَسْلاَبَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ سَمِعُوا مَقَالَةَ الإِْمَامِ (1) .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَال رَجُلٌ: مَنْ يَتَنَاوَل مِنْ مَالِي فَهُوَ مُبَاحٌ فَتَنَاوَل رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ (2) .
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا بِنَاءُ سِقَايَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ خَانٍ لأَِبْنَاءِ السَّبِيل. (3)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ

رَابِعًا: مَحَل الاِلْتِزَامِ (الْمُلْتَزَمُ بِهِ) :
21 - الاِلْتِزَامُ هُوَ إِيجَابُ الْفِعْل الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْمُلْتَزِمُ كَالاِلْتِزَامِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي، وَتَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ، وَكَالاِلْتِزَامِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَدِيعَةِ، وَتَمْكِينِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ، وَالْمَوْهُوبِ لَهُ مِنَ الْهِبَةِ، وَالْمِسْكِينِ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَالْقِيَامِ بِالْعَمَل فِي عَقْدِ الاِسْتِصْنَاعِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ، وَفِعْل الْمَنْذُورِ، وَإِسْقَاطِ الْحَقِّ. . . وَكَذَا.
وَهَذِهِ الاِلْتِزَامَاتُ تَرِدُ عَلَى شَيْءٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَهُوَ قَدْ يَكُونُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، أَوْ مَنْفَعَةً أَوْ عَمَلاً، أَوْ حَقًّا، وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِمَحَل الاِلْتِزَامِ أَوْ مَوْضُوعِهِ.
وَلِكُل مَحَلٍّ شُرُوطٌ خَاصَّةٌ حَسَبَ طَبِيعَةِ التَّصَرُّفِ الْمُرْتَبِطِ بِهِ، وَالشُّرُوطُ قَدْ تَخْتَلِفُ مِنْ تَصَرُّفٍ إِلَى
__________
(1) ابن عابدين 3 / 238، والاختيار 4 / 132، وشرح منتهى الإرادات 2 / 107.
(2) تكملة ابن عابدين 2 / 299.
(3) الاختيار 3 / 45.
آخَرَ، فَمَا يَجُوزُ الاِلْتِزَامُ بِهِ فِي تَصَرُّفٍ قَدْ لاَ يَجُوزُ الاِلْتِزَامُ بِهِ فِي تَصَرُّفٍ آخَرَ.
إِلاَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ إِجْمَال الشُّرُوطِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ مَعَ مُرَاعَاةِ الاِخْتِلاَفِ فِي التَّفَاصِيل. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ - انْتِفَاءُ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ:
22 - يُشْتَرَطُ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فِي الْمَحَل الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الاِلْتِزَامُ انْتِفَاءُ الْغَرَرِ، وَالْغَرَرُ يَنْتَفِي عَنِ الشَّيْءِ - كَمَا يَقُول ابْنُ رُشْدٍ - بِأَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْوُجُودِ، مَعْلُومَ الصِّفَةِ، مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَمَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ.
وَانْتِفَاءُ الْغَرَرِ شَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ فِي الاِلْتِزَامَاتِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ، مَبِيعًا وَثَمَنًا وَمَنْفَعَةً وَعَمَلاً وَأُجْرَةً (1) .
هَذَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ بَعْضِهَا بِالنِّسْبَةِ لِوُجُودِ مَحَل الاِلْتِزَامِ وَقْتَ التَّصَرُّفِ كَالسَّلَمِ وَالإِْجَارَةِ وَالاِسْتِصْنَاعِ، فَإِنَّهَا أُجِيزَتِ اسْتِحْسَانًا مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالْعَمَل، وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ.
وَيُرَاعَى كَذَلِكَ الْخِلاَفُ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهِ.
وَإِذَا كَانَ شَرْطُ انْتِفَاءِ الْغَرَرِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ، فَإِنَّ الأَْمْرَ يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا مِنْ تَبَرُّعَاتٍ كَالْهِبَةِ بِلاَ عِوَضٍ وَالإِْعَارَةِ،
__________
(1) بداية المجتهد 2 / 148، 172، 220، 226، والبدائع 5 / 3، 147، 148، 156، 158، والمهذب 1 / 402 وما بعدها، ونهاية المحتاج 3 / 21، 22 وإعلام الموقعين 2 / 28، والمغني 5 / 434 - 437، وأشباه ابن نجيم 91، 92، والمنثور في القواعد 2 / 400، 401، 403.

الصفحة 153