كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

وَأَمَّا الدُّيُونُ:
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْل الْقَبْضِ إِلاَّ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ:
أَمَّا الصَّرْفُ فَلأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْ بَدَلَيِ الصَّرْفِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ. فَمِنْ حَيْثُ هُوَ ثَمَنٌ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل الْقَبْضِ، وَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَبِيعٌ لاَ يَجُوزُ، فَغَلَبَ جَانِبُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا.
وَأَمَّا السَّلَمُ فَلأَِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ بِالنَّصِّ، وَالاِسْتِبْدَال بِالْمَبِيعِ الْمَنْقُول قَبْل الْقَبْضِ لاَ يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمُقْرِضِ فِي الْقَرْضِ قَبْل الْقَبْضِ عِنْدَهُمْ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الدُّيُونِ قَبْل الْقَبْضِ فِيمَا سِوَى الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، فَإِنَّ الإِْمَامَ مَالِكًا مَنَعَ بَيْعَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ طَعَامًا، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ الْقَبْضُ هُوَ الطَّعَامُ، عَلَى مَا جَاءَ عَلَيْهِ النَّصُّ فِي الْحَدِيثِ.
وَالثَّانِي: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُسْلَمُ فِيهِ طَعَامًا فَأَخَذَ عِوَضَهُ الْمُسْلِمُ (صَاحِبُ الثَّمَنِ) مَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِيهِ رَأْسَ مَالِهِ، مِثْل أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَرَضًا وَالثَّمَنُ عَرَضًا مُخَالِفًا لَهُ، فَيَأْخُذَ الْمُسْلِمُ مِنَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ إِذَا حَانَ الأَْجَل شَيْئًا مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْعَرَضِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا يَدْخُلُهُ إِمَّا سَلَفٌ وَزِيَادَةٌ، إِنْ كَانَ الْعَرَضُ الْمَأْخُوذُ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَال السَّلَمِ، وَإِمَّا ضَمَانٌ وَسَلَفٌ إِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَقَل (1) .
__________
(1) البدائع 5 / 234، وبداية المجتهد 2 / 224 نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمِلْكُ عَلَى الدُّيُونِ مُسْتَقِرًّا، كَغَرَامَةِ الْمُتْلَفِ وَبَدَل الْقَرْضِ جَازَ بَيْعُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ قَبْل الْقَبْضِ، لأَِنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ فِي بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ فَإِنْ كَانَ مُسْلَمًا فِيهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنًا فِي بَيْعٍ فَفِيهِ قَوْلاَنِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: كُل عِوَضٍ مُلِكَ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلاَكِهِ قَبْل الْقَبْضِ لَمْ يَجُزِ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ، كَالأُْجْرَةِ وَبَدَل الصُّلْحِ إِذَا كَانَا مِنَ الْمَكِيل أَوِ الْمَوْزُونِ أَوِ الْمَعْدُودِ، وَمَا لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلاَكِهِ جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ، كَعِوَضِ الْخُلْعِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَقِيمَةِ الْمُتْلَفِ.
أَمَّا مَا يَثْبُتُ فِيهِ الْمِلْكُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْجُمْلَةِ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. (1)
33 - ب - وَإِذَا كَانَ الْمُلْتَزَمُ بِهِ تَمْلِيكًا لِلْمَنْفَعَةِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِي الْحُدُودِ الْمَأْذُونِ فِيهَا، وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي الإِْجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ وَالإِْعَارَةِ وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَفِي الإِْجَارَةِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ، وَفِي غَيْرِهَا اخْتِلاَفُهُمْ، وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي تُمْلَكُ بِبَدَلٍ يَجُوزُ تَمْلِيكُهَا بِبَدَلٍ كَالإِْجَارَةِ، وَاَلَّتِي تُمْلَكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لاَ
__________
(1) ابن عابدين 4 / 162 - 165، والبدائع 5 / 234، والهداية 3 / 56، 224، وحاشية الدسوقي 3 / 151، وبداية المجتهد 2 / 144 - 146، 205، ومغني المحتاج 2 / 68، 69، والمهذب 1 / 269، 270، والمغني 4 / 126، 127، 128، ومنتهى الإرادات 2 / 176، والقواعد لابن رجب من 78 إلى 83.

الصفحة 159