كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)
لَكِنْ لاَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا، فَفِي الْوَصِيَّةِ يَجُوزُ بِالاِتِّفَاقِ الرُّجُوعُ فِيهَا مَا دَامَ الْمُوصِي حَيًّا.
وَفِي الْعَارِيَّةِ وَالْقَرْضِ يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِطَلَبِ الْمُسْتَعَارِ وَبَدَل الْقَرْضِ فِي الْحَال بَعْدَ الْقَبْضِ، وَهَذَا عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ، بَل قَال الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْمُقْرِضَ إِذَا أَجَّل الْقَرْضَ لاَ يَلْزَمُهُ التَّأْجِيل، لأَِنَّهُ لَوْ لَزِمَ فِيهِ الأَْجَل لَمْ يَبْقَ تَبَرُّعًا.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ وَالْقَرْضَ إِذَا كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ فَذَلِكَ لاَزِمٌ إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ الأَْجَل، وَإِنْ كَانَا مُطْلَقَيْنِ لَزِمَ الْبَقَاءُ فَتْرَةً يُنْتَفَعُ بِمِثْلِهِ فِيهَا، وَاسْتَنَدُوا إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً سَأَل بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (1) . وَقَال ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ: إِذَا أَجَّلَهُ فِي الْقَرْضِ جَازَ.
وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ قَبْل الْقَبْضِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَإِذَا تَمَّ الْقَبْضُ فَلاَ رُجُوعَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلاَّ فِيمَا وَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ الرُّجُوعُ إِنْ كَانَتْ لأَِجْنَبِيٍّ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلاَ رُجُوعَ عِنْدَهُمْ فِي الْهِبَةِ قَبْل الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فِي الْجُمْلَةِ، إِلاَّ فِيمَا يَهَبُهُ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ. (2)
__________
(1) حديث: " أنه صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا سأل بعض بني إسرائيل. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 352، 353 ط السلفية) .
(2) البدائع 5 / 234 و 6 / 216 و218 و 7 / 378، 396، والهداية 3 / 222، 227، 231 و 4 / 235، ومنح الجليل 3 / 50، 51، وجواهر الإكليل 2 / 212، 318، والمهذب 1 / 310، 370، 454، 468، ومنتهى الإرادات 2 / 227، 520، 525، 545، والمغني 4 / 349 و5 / 229، والقواعد لابن رجب ص 110، 111.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ.
43 - وَالْوَعْدُ كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِهِ بِاتِّفَاقٍ.
يَقُول الْقَرَافِيُّ: مِنْ أَدَبِ الْعَبْدِ مَعَ رَبِّهِ إِذَا وَعَدَ رَبَّهُ بِشَيْءٍ لاَ يُخْلِفُهُ إِيَّاهُ، لاَ سِيَّمَا إِذَا الْتَزَمَهُ وَصَمَّمَ عَلَيْهِ، فَأَدَبُ الْعَبْدِ مَعَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِحُسْنِ الْوَفَاءِ وَتَلَقِّي هَذِهِ الاِلْتِزَامَاتِ بِالْقَبُول.
لَكِنَّ الْوَفَاءَ بِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي الْبَدَائِعِ: الْوَعْدُ لاَ شَيْءَ فِيهِ وَلَيْسَ بِلاَزِمٍ، وَفِي مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ نَصًّا، وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ قَال: أُؤَدِّي الْمَال أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ، فَهُوَ وَعْدٌ لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، لأَِنَّ الصِّيغَةَ غَيْرُ مُشْعِرَةٍ بِالاِلْتِزَامِ. (1)
إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ تَسْتَدْعِي الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ. فَقَدْ نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ ذَكَرَ الْبَيْعَ بِلاَ شَرْطٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّرْطَ عَلَى وَجْهِ الْعِدَةِ، جَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، إِذِ الْمَوَاعِيدُ قَدْ تَكُونُ لاَزِمَةً فَيُجْعَل لاَزِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْوَعْدَ يَلْزَمُ وَيُقْضَى بِهِ إِذَا دَخَل الْمَوْعُودُ بِسَبَبِ الْوَعْدِ فِي شَيْءٍ، قَال سَحْنُونٌ: الَّذِي يَلْزَمُ مِنَ الْوَعْدِ إِذَا قَال: اهْدِمْ دَارَكَ وَأَنَا أُسْلِفُكَ مَا تَبْنِي بِهِ، أَوِ اخْرُجْ إِلَى الْحَجِّ أَوِ اشْتَرِ سِلْعَةً أَوْ تَزَوَّجْ وَأَنَا أُسْلِفُكَ، لأَِنَّكَ أَدْخَلْتَهُ بِوَعْدِكَ فِي ذَلِكَ، أَمَّا مُجَرَّدُ الْوَعْدِ فَلاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، بَل الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ مَكَارِمِ الأَْخْلاَقِ.
__________
(1) الفروق للقرافي 3 / 95، والبدائع 7 / 84، 85، ومنتهى الإرادات 3 / 456، ونهاية المحتاج 4 / 441.
الصفحة 164