كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

طِوَال الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ حَتَّى تَنْتَهِيَ، فَمَنْ أَجَّرَ دَارًا لِمُدَّةِ شَهْرٍ أَصْبَحَ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ الاِنْتِفَاعُ بِالدَّارِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُلْتَزِمِ - وَهُوَ الْمُؤَجِّرُ - أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ قَبْل انْتِهَاءِ الأَْجَل الْمَضْرُوبِ. (1)
وَإِذَا كَانَ أَجَل إِضَافَةٍ، فَإِنَّ تَنْفِيذَ الاِلْتِزَامِ لاَ يَبْدَأُ إِلاَّ عِنْدَ حُلُول الأَْجَل، فَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّل إِلَى رَمَضَانَ يَمْنَعُ الدَّائِنَ مِنَ الْمُطَالَبَةِ قَبْل دُخُول رَمَضَانَ. فَإِذَا حَل الأَْجَل وَجَبَ عَلَى الْمُلْتَزِمِ بِالدَّيْنِ الْوَفَاءُ، وَصَارَ مِنْ حَقِّ الدَّائِنِ الْمُطَالَبَةُ بِدَيْنِهِ. (2)
وَالتَّصَرُّفَاتُ تَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْجَل تَوْقِيتًا أَوْ إِضَافَةً، فَمِنْهَا مَا هُوَ مُؤَقَّتٌ أَوْ مُضَافٌ بِطَبِيعَتِهِ، كَالإِْجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُنْجَزٌ وَلاَ يَقْبَل التَّأْقِيتَ بِحَالٍ كَالصَّرْفِ وَالنِّكَاحِ، وَإِذَا دَخَلَهُمَا التَّأْقِيتُ بَطَلاَ، وَيَكُونُ أَثَرُ التَّأْقِيتِ هُنَا بُطْلاَنَ الأَْجَل.
وَأَمَّا الْعَقْدُ فَيَبْطُل فِي الصَّرْفِ إِجْمَاعًا. وَفِي النِّكَاحِ عِنْدَ الأَْكْثَرِينَ. (3)
وَمِنْهَا مَا يَكُونُ الأَْصْل فِيهِ التَّنْجِيزَ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ لَكِنْ يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ إِرْفَاقًا فَيَتَغَيَّرُ أَثَرُ الاِلْتِزَامِ مِنَ التَّسْلِيمِ الْفَوْرِيِّ إِلَى تَأْخِيرِهِ إِلَى الأَْجَل الْمُحَدَّدِ.
عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَقْبَل التَّأْجِيل يُشْتَرَطُ فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ: أَنْ يَكُونَ الأَْجَل مَعْلُومًا، إِذْ فِي الْجَهَالَةِ غَرَرٌ يُؤَدِّي إِلَى النِّزَاعِ، وَأَلاَّ يُعْتَاضَ عَنِ الأَْجَل، إِذِ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا.
__________
(1) الهداية 3 / 231 وما بعدها، وبداية المجتهد 2 / 229، والمغني 5 / 434.
(2) الأشباه لابن نجيم 265، 257، والمنثور 1 / 92.
(3) المنثور 1 / 92، وبداية المجتهد 2 / 197، وأشباه السيوطي ص 307، 308، والبدائع 5 / 174.
وَيَكُونُ الأَْثَرُ حِينَئِذٍ بُطْلاَنَ الشَّرْطِ. (1)
وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، إِذْ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَكُونُ الأَْجَل فِيهِ مَجْهُولاً بِطَبِيعَتِهِ، كَالْجِعَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَيَلْحَقُ بِهِمَا الْوَكَالَةُ وَالْقِرَاضُ وَالإِْذْنُ فِي التِّجَارَةِ إِذَا لَمْ يُحَدِّدْ لِلْعَمَل مُدَّةً. كَذَلِكَ التَّبَرُّعَاتُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَجُوزُ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ. (2)
وَفِي كُل ذَلِكَ تَفْصِيلاَتٌ مُطَوَّلَةٌ تُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهَا وَفِي (بَحْثِ: أَجَل) .

تَوْثِيقُ الاِلْتِزَامِ:
50 - تَوْثِيقُ الاِلْتِزَامِ - أَيْ إِحْكَامُهُ وَإِثْبَاتُهُ - أَمْرٌ مَشْرُوعٌ لاِحْتِيَاجِ النَّاسِ إِلَى مُعَامَلَةِ مَنْ لاَ يَعْرِفُونَهُ، خَشْيَةَ جَحْدِ الْحُقُوقِ أَوْ ضَيَاعِهَا.
وَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلنَّاسِ مَا يَضْمَنُ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ بِتَوْثِيقِهَا، وَجَعَل لِذَلِكَ طُرُقًا مُتَعَدِّدَةً وَهِيَ:

(1) الْكِتَابَةُ وَالإِْشْهَادُ:
51 - شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْكِتَابَةَ وَالإِْشْهَادَ صِيَانَةً لِلْحُقُوقِ، وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} . . {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} . . {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (3) وَقَدْ
__________
(1) ابن عابدين 4 / 23، 119، والبدائع 5 / 178، والفواكه الدواني 2 / 120، والقرطبي 3 / 348، والفروق للقرافي 2 / 112، 113، وشرح منتهى الإرادات 2 / 219.
(2) بداية المجتهد 2 / 235، والدسوقي 3 / 304، وفتح العلي المالك 1 / 219، 302، ومغني المحتاج 2 / 99، والمغني 5 / 84، 93.
(3) سورة البقرة / 282.

الصفحة 169