كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)
الإِْلْحَادُ فِي الْحَرَمِ:
7 - الإِْلْحَادُ فِي الْحَرَمِ هُوَ الْمَيْل بِالظُّلْمِ فِيهِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1)
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الإِْلْحَادِ فِي الْحَرَمِ عَلَى أَقْوَالٍ مِنْهَا:
أ - قَال ابْنُ مَسْعُودٍ: الإِْلْحَادُ هُوَ الشِّرْكُ، وَقَال أَيْضًا هُوَ اسْتِحْلاَل الْحَرَامِ.
ب - قَال الْجَصَّاصُ: الْمُرَادُ بِهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الْحَرَمِ بِالظُّلْمِ فِيهِ.
ج - قَال مُجَاهِدٌ: هُوَ الْعَمَل السَّيِّئُ.
د - الإِْلْحَادُ فِي الْحَرَمِ هُوَ مَنْعُ النَّاسِ عَنْ عِمَارَتِهِ.
هـ - قَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هُوَ الاِحْتِكَارُ.
قَال أبو حَيَّانَ: الأَْوْلَى حَمْل هَذِهِ الأَْقْوَال فِي الآْيَةِ عَلَى التَّمْثِيل لاَ عَلَى الْحَصْرِ، إِذِ الْكَلاَمُ يَدُل عَلَى الْعُمُومِ.
وَقَدْ عَظَّمَ اللَّهُ الذَّنْبَ فِي الْحَرَمِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَاتِ تَعْظُمُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الزَّمَانِ كَالأَْشْهُرِ الْحُرُمِ، وَعَلَى قَدْرِ الْمَكَانِ كَالْبَلَدِ الْحَرَامِ، فَتَكُونُ الْمَعْصِيَةُ مَعْصِيَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا الْمُخَالَفَةُ، وَالثَّانِيَةُ إِسْقَاطُ حُرْمَةِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَوِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ. (2)
إِلْحَادُ الْمَيِّتِ:
8 - إِلْحَادُ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ،
__________
(1) سورة الحج / 25.
(2) أحكام القرآن لابن العربي 3 / 1264، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 283، والبحر المحيط 6 / 363، والقرطبي 12 / 34.
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا (1) وَلِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: " الْحَدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ، كَمَا صُنِعَ بِرَسُول اللَّهِ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال لِلْحَافِرِ: أَوْسِعْ مِنْ قِبَل رَأْسِهِ، وَأَوْسِعْ مِنْ قِبَل رِجْلِهِ. (3) وَلِقَوْل الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: احْفِرُوا، وَأَوْسِعُوا، وَعَمِّقُوا (4) وَلِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يُلْحِدُ وَآخَرُ يُضْرِحُ، فَقَالُوا: نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا وَنَبْعَثُ إِلَيْهِمَا، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ تَرَكْنَاهُ، فَأَرْسَل إِلَيْهِمَا، فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ، فَلَحَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5) وَهَذَا عِنْدَ الْجَمِيعِ إِذَا كَانَتِ الأَْرْضُ صُلْبَةً، أَمَّا إِذَا كَانَتْ رَخْوَةً فَإِنَّهُ يُصَارُ إِلَى الشِّقِّ بِدُونِ
__________
(1) حديث: " اللحد لنا والشق لغيرنا ". أخرجه ابن ماجه (1 / 496 - ط الحلبي) وأحمد (4 / 357 ط الميمنية) من طرق يقوي بعضها بعضا. (التلخيص الحبير لابن حجر 2 / 127 - ط دار المحاسن) .
(2) حديث سعد: " الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن. . . ". أخرجه مسلم (2 / 665 - ط الحلبي) .
(3) حديث: " أوسع من قبل رأسه وأوسع من قبل رجله. . . " رواه أحمد (5 / 408 - ط الميمنية) وصححه ابن حجر في التلخيص (2 / 127 - ط دار المحاسن) .
(4) قوله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: " احفروا وأوسعوا وعمقوا " أخرجه النسائي (4 / 81 - ط المكتبة التجارية) وإسناده صحيح (التلخيص لابن حجر 2 / 127 - ط دار المحاسن) .
(5) " لما توفى الرسول وكان بالمدينة رجل يلحد وآخر يضرح. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 496 ط الحلبي) وحسنه ابن حجر في التلخيص (2 / 128 - ط دار المحاسن) .
الصفحة 179