كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)
أَطِيعُوا) أَمْرٌ، وَالأَْمْرُ يَتَعَيَّنُ لِلْوُجُوبِ إِذَا حَفَّتْ بِهِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ النَّصُّ قَرِينَةً جَازِمَةً تَصْرِفُ الأَْمْرَ إِلَى الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ بِرَبْطِ الطَّاعَةِ بِالإِْيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ أَيْ حَقِيقَةً (1) .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِالطَّاعَةِ طَاعَةً مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ، ثُمَّ جَاءَتِ السُّنَّةُ تُقَيِّدُ الطَّاعَةَ بِمَا لاَ يَكُونُ مَعْصِيَةً، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ الطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ. (2)
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ (3) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي (4)
__________
(1) تفسير الطبري 5 / 147، 148، وأحكام القرآن لابن العربي 1 / 251، 252، والقرطبي 5 / 259، 261، وروح المعاني للألوسي 5 / 65، 66، ورد المحتار 1 / 559، 3 / 311، 4 / 344، والأحكام السلطانية للماوردي ص 17، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 30
(2) حديث: " على المرء المسلم الطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 13 / 121 ط السلفية) ومسلم (3 / 1469 - ط الحلبي)
(3) حديث: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. . . " أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (5 / 226 - ط القدسي) بلفظ: " لا طاعة في معصية الله تبارك وتعالى " وقال: رواه أحمد بألفاظ والطبراني وفي بعض طرقه: ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ورجال أحمد رجال الصحيح
(4) حديث: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني. . . " أخرجه البخاري (الفتح 13 / 111 ط السلفية) ومسلم (3 / 1466 - ط الحلبي)
وَيَقُول الطَّبَرِيُّ: إِنَّ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِطَاعَتِهِمْ فِي الآْيَةِ (وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ) هُمُ الأَْئِمَّةُ وَمَنْ وَلاَّهُ الْمُسْلِمُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ. (1)
(2) أَنْ يُفَوِّضُوا الأَْمْرَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى أَهْل الْعِلْمِ بِالدِّينِ وَأَهْل الْخِبْرَةِ وَيَكِلُوهُ إِلَى تَدْبِيرِهِمْ، حَتَّى لاَ تَخْتَلِفَ الآْرَاءُ. (2) قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الأَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} . (3)
(3) النُّصْرَةُ لأُِولِي الأَْمْرِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ.
(4) النُّصْحُ لَهُمْ: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ. (4)
وَاجِبَاتُ أُولِي الأَْمْرِ:
6 - يَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّصَرُّفُ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ، كُلٌّ فِي مَجَالِهِ وَبِحَسَبِ سُلْطَتِهِ. وَفِي ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ " التَّصَرُّفُ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ " وَبِالتَّفْصِيل مَا يَلِي:
(1) حِفْظُ الدِّينِ عَلَى أُصُولِهِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُْمَّةِ، فَإِنْ زَاغَ ذُو شُبْهَةٍ عَنْهُ أَوْضَحَ لَهُ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابَ، وَأَخَذَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ
__________
(1) فتح الباري 13 / 111، 112، ورد المحتار على الدر المختار 1 / 559، 3 / 234، 3 / 310، وشرح المنهاج 4 / 217، وتفسير الطبري 8 / 495 وما بعدها
(2) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 31
(3) سورة النساء / 83
(4) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 12، 31، والأحكام السلطانية للماوردي ص17. وحديث: " الدين النصيحة " أخرجه مسلم (1 / 74 - ط الحلبي)
الصفحة 191