كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، وَهَذَا آخِرُ الأَْمْرَيْنِ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ الْمُعَوَّل عَلَيْهِ. (1) وَلأَِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْفِقْهِ أَهَمُّ مِنْهَا إِلَى الْقِرَاءَةِ، لأَِنَّ الْقِرَاءَةَ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا لإِِقَامَةِ رُكْنٍ وَاحِدٍ، وَالْفِقْهُ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِجَمِيعِ الأَْرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ. (2)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ أَقْرَأَ النَّاسِ أَوْلَى بِالإِْمَامَةِ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُهُمْ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَال: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانُوا ثَلاَثَةٌ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالإِْمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ (3) وَلأَِنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ لاَ بُدَّ مِنْهُ، وَالْحَاجَةُ إِلَى الْعِلْمِ إِذَا عَرَضَ عَارِضٌ مُفْسِدٌ لِيُمْكِنَهُ إِصْلاَحُ صَلاَتِهِ، وَقَدْ يَعْرِضُ وَقَدْ لاَ يَعْرِضُ. (4)
16 - أَمَّا إِذَا تَفَرَّقَتْ خِصَال الْفَضِيلَةِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْوَرَعِ وَكِبَرِ السِّنِّ وَغَيْرِهَا فِي أَشْخَاصٍ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الأَْعْلَمَ عَلَى الأَْقْرَأِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَقْدِيمِ الْقَارِئِ، لأَِنَّ أَصْحَابَهُ كَانَ أَقْرَؤُهُمْ أَعْلَمَهُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ تَعَلَّمُوا مَعَهُ أَحْكَامَهُ، وَهَذَا قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَالأَْصْل فِي أَوْلَوِيَّةِ الإِْمَامَةِ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الأَْنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَال: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ
__________
(1) فتح القدير 1 / 303
(2) الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 163، والبدائع 1 / 157، ونهاية المحتاج2 / 175
(3) كشاف القناع 1 / 471، وفتح القدير 1 / 301. والحديث رواه أحمد ومسلم والنسائي
(4) كشاف القناع 1 / 471، وفتح القدير 1 / 301
كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا. (1)
17 - وَفِي تَرْتِيبِ الأَْوْلَوِيَّةِ فِي الإِْمَامَةِ بَعْدَ الاِسْتِوَاءِ فِي الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ، قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يُقَدَّمُ أَوْرَعُهُمْ أَيِ الأَْكْثَرُ اتِّقَاءً لِلشُّبُهَاتِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ (2) وَلأَِنَّ الْهِجْرَةَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِحَدِيثِ: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ (3) فَجَعَلُوا الْوَرَعَ - وَهُوَ هَجْرُ الْمَعَاصِي - مَكَانَ تِلْكَ الْهِجْرَةِ. (4)
وَمِثْلُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا: الأَْوْلَوِيَّةُ بَعْدَ الأَْعْلَمِ وَالأَْقْرَأِ لِلأَْكْثَرِ عِبَادَةً. (5) ثُمَّ إِنِ اسْتَوَوْا فِي الْوَرَعِ يُقَدَّمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الأَْقْدَمُ إِسْلاَمًا، فَيُقَدَّمُ شَابٌّ نَشَأَ فِي الإِْسْلاَمِ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ حَدِيثًا. أَمَّا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ مِنَ الأَْصْل، أَوْ أَسْلَمُوا مَعًا فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الأَْكْبَرُ سِنًّا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا (6) . وَلأَِنَّ الأَْكْبَرَ فِي السِّنِّ يَكُونُ أَخْشَعَ قَلْبًا عَادَةً، وَفِي تَقْدِيمِهِ كَثْرَةُ الْجَمَاعَةِ. (7)
__________
(1) حديث أبي مسعود تقدم ف / 14
(2) حديث: " من صلى خلف عالم. . . . " أورده الزيلعي في نصب الراية (2 / 26 - ط المجلس العلمي - الهند) وقال: غريب
(3) حديث: " لا هجرة بعد الفتح. . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 3 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1488 - ط الحلبي)
(4) فتح القدير 1 / 303، وابن عابدين 1 / 374، ونهاية المحتاج 2 / 176
(5) جواهر الإكليل 1 / 83
(6) حديث: " وليؤمكما أكبركما سنا " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 111 - ط السلفية)
(7) ابن عابدين 1 / 374، ونهاية المحتاج 1 / 178، وجواهر الإكليل 1 / 83

الصفحة 208