كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

فَقَدْ يَكُونُ الاِنْحِنَاءُ مُبَاحًا، كَالاِنْحِنَاءِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْمُسْلِمُ فِي أَعْمَالِهِ الْيَوْمِيَّةِ.
وَقَدْ يَكُونُ فَرْضًا فِي الصَّلاَةِ، لاَ تَصِحُّ إِلاَّ بِهِ، كَمَا هُوَ فِي الرُّكُوعِ فِي الصَّلاَةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ. وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى صُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بِقَدْرِ مَا يَمُدُّ يَدَيْهِ فَتَنَال رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الشَّخْصِ الْمُعْتَدِل الْقَامَةِ. (1) وَتَفْصِيل هَذَا فِي (رُكُوع) .
وَقَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا، كَالاِنْحِنَاءِ تَعْظِيمًا لإِِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ جَمَادٍ. وَهَذَا مِنَ الضَّلاَلاَتِ وَالْجَهَالاَتِ. (2)
وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاِنْحِنَاءَ عِنْدَ الاِلْتِقَاءِ بِالْعُظَمَاءِ كَكِبَارِ الْقَوْمِ وَالسَّلاَطِينِ تَعْظِيمًا لَهُمْ - حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. لأَِنَّ الاِنْحِنَاءَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ لِلَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا لَهُ، وَلِقَوْلِهِ لِرَجُلٍ قَال لَهُ: يَا رَسُول اللَّهِ، الرَّجُل مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ. (3)
أَمَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ الاِنْحِنَاءُ مُجَرَّدَ تَقْلِيدٍ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 300 ط بولاق، والفتاوى الهندية 1 / 70 ط المكتبة الإسلامية، والفواكه الدواني 1 / 207 - 208 ط دار المعرفة، والبجيرمي على الخطيب 2 / 26 ط دار المعرفة، والمحرر 1 / 61 ط السنة المحمدية.
(2) الفتاوى لابن تيمية 27 / 60 - 61 ط الرياض.
(3) مجمع الأنهر 2 / 542 ط العثمانية، والفواكه الدواني 2 / 424 - 425، والشرح الصغير 4 / 760 ط دار المعارف، والقليوبي 4 / 76 ط عيسى الحلبي، والفتاوى لابن تيمية 27 / 92 وحديث: " الرجل منا يلقي أخاه. . . . ". أخرجه الترمذي (7 / 514 - تحفة الأحوذي ط السلفية) وفي إسناده راو ضعيف. . وذكر الحديث من مناكيره الذهبي في الميزان (1 / 621 ط الحلبي) .
لِلْمُشْرِكِينَ، دُونَ قَصْدِ التَّعْظِيمِ لِلْمُنْحَنَى لَهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، لأَِنَّهُ يُشْبِهُ فِعْل الْمَجُوسِ.
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الاِنْحِنَاءُ لِلْمَخْلُوقِ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَادَاتِ بَعْضِ الْمُلُوكِ وَالْجَاهِلِينَ. (1)
أَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الاِنْحِنَاءِ لِلسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الإِْكْرَاهِ بِشُرُوطِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْكُفْرِ. (2) وَتَفْصِيلُهُ فِي بَحْثِ (إِكْرَاه) .

انْحِنَاءُ الْمُصَلِّي أَثْنَاءَ الْقِيَامِ:
الْقِيَامُ الْمَطْلُوبُ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا قَدْ يَعْتَرِيهِ شَيْءٌ مِنَ الاِنْحِنَاءِ لِسَبَبٍ أَوْ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ قَلِيلاً بِحَيْثُ يَبْقَى اسْمُ الْقِيَامِ مَوْجُودًا، وَلاَ يَصِل إِلَى حَدِّ الرُّكُوعِ الْمَطْلُوبِ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ لاَ يُخِل بِصِفَةِ الْقِيَامِ الْمَطْلُوبِ فِي الصَّلاَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ سَمَّاهُ الْحَنَفِيَّةُ قِيَامًا غَيْرَ تَامٍّ. (3)
وَاخْتَلَفُوا فِي اقْتِدَاءِ الْمُسْتَوِي خَلْفَ الأَْحْدَبِ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِجَوَازِهِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنْ لاَ تَبْلُغَ حَدَبَتُهُ حَدَّ الرُّكُوعِ، وَتَمْيِيزِ قِيَامِهِ عَنْ رُكُوعِهِ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ بِجَوَازِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَمَنَعَهُ الْحَنَابِلَةُ مُطْلَقًا. (4)
__________
(1) الفتاوى لابن تيمية 11 / 554 - 555.
(2) مجمع الأنهر 2 / 542.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 298، والشرح الصغير 1 / 307، وأسنى المطالب 1 / 145 - 146 ط بولاق، ونيل المآرب 1 / 35 ط الكويت.
(4) فتح القدير 1 / 220، وابن عابدين 1 / 396، والدسوقي 1 / 328، ومغني المحتاج 1 / 340، والمغني لابن قدامة 2 / 223.

الصفحة 323