كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

حُكْمُ الاِغْتِسَال مِنَ الإِْنْزَال:
7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَنِيَّ إِذَا نَزَل عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْل، أَمَّا إِذَا نَزَل لاَ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ فَلاَ يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْل عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ الْغُسْل بِذَلِكَ، فَإِذَا سَكَنَتِ الشَّهْوَةُ قَبْل خُرُوجِ الْمَنِيِّ إِلَى الظَّاهِرِ ثُمَّ نَزَل فَفِيهِ خِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (غُسْل) .

إِنْزَال الْمَرْأَةِ:
8 - الْمَرْأَةُ كَالرَّجُل فِي الأَْحْكَامِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى إِنْزَال الْمَنِيِّ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْأَةُ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُل؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِل.
وَفِي لَفْظٍ أَنَّهَا قَالَتْ: هَل عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ (1) . فَخُرُوجُ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ فِي يَقَظَةٍ أَوْ نَوْمٍ يُوجِبُ الْغُسْل عَلَى الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.
وَمِثْل ذَلِكَ سَائِرُ الأَْحْكَامِ فِي الصِّيَامِ وَالاِعْتِكَافِ وَالْحَجِّ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ. إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ نُزُول الْمَنِيِّ مِنَ الْمَرْأَةِ لِتَرَتُّبِ الأَْحْكَامِ عَلَيْهِ.
وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِوُصُول الْمَنِيِّ إِلَى الْمَحَل الَّذِي تَغْسِلُهُ فِي الاِسْتِنْجَاءِ، وَهُوَ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ جُلُوسِهَا وَقْتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ
__________
(1) حديث: " إذا رأت ذلك المرأة فلتغسل، أخرجه مسلم (1 / 250 ط الحلبي) .
الْحَنَفِيَّةِ، وَبِهَذَا قَال الْمَالِكِيَّةُ عَدَا سَنَدٍ، وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّيِّبِ. وَقَال سَنَدٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ بُرُوزَ الْمَنِيِّ مِنَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ شَرْطًا، بَل مُجَرَّدُ الاِنْفِصَال عَنْ مَحَلِّهِ يُوجِبُ الْغُسْل؛ لأَِنَّ عَادَةَ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ يَنْعَكِسُ إِلَى الرَّحِمِ لِيَتَخَلَّقَ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَهَذَا مَا يُقَابِل ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الْبِكْرِ: لاَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْل حَتَّى يَخْرُجَ الْمَنِيُّ مِنْ فَرْجِهَا؛ لأَِنَّ دَاخِل فَرْجِهَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ (1) ر: (انْظُرْ: احْتِلاَم) .

إِنْزَال الْمَنِيِّ لِمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ:
9 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ لِغَيْرِ لَذَّةٍ وَشَهْوَةٍ، بِأَنْ كَانَ بِسَبَبِ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ ضَرْبَةٍ عَلَى الظَّهْرِ، أَوْ سُقُوطٍ مِنْ عُلْوٍ، أَوْ لَدْغَةِ عَقْرَبٍ، أَوْ مَا شَابَهُ ذَلِكَ، لاَ يُوجِبُ الْغُسْل، وَلَكِنْ يُوجِبُ الْوُضُوءَ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْغُسْل عِنْدَهُمْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِشَهْوَةٍ وَلَذَّةٍ، أَمْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا سَبَقَ، وَهَذَا إِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنَ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إِذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ الْمُعْتَادِ وَكَانَ مُسْتَحْكَمًا، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحْكَمًا مَعَ خُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ فَلاَ يَجِبُ الْغُسْل (2) .
__________
(1) ابن عابدين 1 / 108، والفتاوى الهندية 1 / 14، 15 والدسوقي 1 / 126، 127، والخرشي 1 / 162، والمجموع 2 / 140، ونهاية المحتاج 1 / 199، والمغني 1 / 199 وكشاف القناع 1 / 142.
(2) ابن عابدين 1 / 108، والاختيار 1 / 12، وحاشية الدسوقي 1 / 127، 128، والشرح الصغير 1 / 61 ط الحلبي، والخرشي 1 / 163، ومغني المحتاج 1 / 70، والقليوبي 1 / 63، والمجموع 2 / 140، 141، وكشاف القناع 1 / 139، 142.

الصفحة 333