كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

وَأَثَرٌ رَجْعِيٌّ، وَإِنَّمَا يَسْرِي حُكْمُهُ عَلَى الْمُسْتَقْبَل فَقَطْ مِنْ تَارِيخِ وُقُوعِهِ، وَذَلِكَ فِي الْعُقُودِ الاِسْتِمْرَارِيَّةِ كَالشَّرِكَةِ وَكَالإِْجَارَةِ.
فَالْفَسْخُ أَوِ الاِنْفِسَاخُ يَقْطَعَانِ تَأْثِيرَ هَذِهِ الْعُقُودِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْتَقْبَل، أَمَّا مَا مَضَى فَيَكُونُ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ، وَكَذَا انْحِلاَل الْوَكَالَةِ بِالْعَزْل لاَ يَنْقُضُ تَصَرُّفَاتِ الْوَكِيل السَّابِقَةَ. (1)
ثُمَّ يُسْتَحْسَنُ التَّمْيِيزُ فِي تَسْمِيَةِ انْحِلاَل الْعَقْدِ بَيْنَ حَالَتَيِ الاِسْتِنَادِ وَالاِقْتِصَارِ، فَيُقْتَرَحُ تَسْمِيَةُ الْحِل وَالاِنْحِلاَل فِي حَالَةِ الاِسْتِنَادِ: فَسْخًا وَانْفِسَاخًا، وَفِي حَالَةِ الاِقْتِصَارِ: إِنْهَاءً وَانْتِهَاءً. (2)
7 - هَذَا، وَلَمْ نَرَ التَّصْرِيحَ بِهَذَيْنِ الْمُصْطَلَحَيْنِ فِي مَذْهَبِ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ فَرَّقُوا بَيْنَ حَالَتَيْنِ فِي الْفَسْخِ.
قَال الإِْمَامُ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ الأَْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ (3) : الْفَسْخُ هَل يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ؟ يُمْكِنُ أَنْ نَفْهَمَ مِنْ قَوْل السُّيُوطِيِّ هَذَا أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَبَيْنَ مَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ، فَيَصْدُقُ عَلَى الأَْوَّل الاِسْتِنَادُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَى الثَّانِي الاِقْتِصَارُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا.
فَقَدْ فَرَّقَ السُّيُوطِيُّ هُنَا بَيْنَ مَا لَهُ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ، وَبَيْنَ مَا لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ.
8 - وَقَدْ مَثَّلُوا لِمَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ بِمَا يَلِي:
أ - الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ، وَالتَّصْرِيَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ.
ب - فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ فِيهِ
__________
(1) المرجع السابق: ص 534.
(2) المدخل الفقهي العام: 535.
(3) الأشباه والنظائر 317 - 318.
وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ حِينِهِ.
ج - الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا.
هـ - الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا.
- وَفَسْخُ النِّكَاحِ بِأَحَدِ الْعُيُوبِ، وَالأَْصَحُّ: أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ
ز - فَسْخُ الْحَوَالَةِ: انْقِطَاعٌ مِنْ حِينِهِ.
9 - وَمَثَّل لِمَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِمْ: إِذَا كَانَ رَأْسُ مَال السَّلَمِ فِي الذِّمَّةِ، وَعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ انْفَسَخَ السَّلَمُ بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ وَرَأْسُ الْمَال بَاقٍ، فَهَل يَرْجِعُ إِلَى عَيْنِهِ أَوْ بَدَلِهِ؟ وَجْهَانِ: الأَْصَحُّ الأَْوَّل. قَال الْغَزَالِيُّ: وَالْخِلاَفُ يَلْتَفِتُ إِلَى أَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ إِذَا رُدَّ بِالْعَيْبِ هَل يَكُونُ نَقْضًا لِلْمِلْكِ فِي الْحَال، أَوْ هُوَ مُبَيِّنٌ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمِلْكِ؟ .
وَمُقْتَضَى هَذَا التَّفْرِيعِ: أَنَّ الأَْصَحَّ هُنَا، أَنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي نُجُومِ الْكِتَابَةِ (أَقْسَاطِهَا) ، وَبَدَل الْخُلْعِ إِذَا وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ.
لَكِنْ فِي الْكِتَابَةِ يَرْتَدُّ الْعِتْقُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
وَفِي الْخُلْعِ: لاَ يَرْتَدُّ الطَّلاَقُ بَل يَرْجِعُ إِلَى بَدَل الْبُضْعِ. (1)
هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الإِْمَامُ السُّيُوطِيُّ فِي الأَْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، فِي أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ حِينًا وَمِنْ حِينِهِ حِينًا آخَرَ.
إِلاَّ أَنَّنَا حِينَمَا نَرْجِعُ إِلَى الرَّوْضَةِ نَجِدُ الإِْمَامَ النَّوَوِيَّ يُرَجِّحُ أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ، وَأَنَّ الرَّفْعَ مِنَ الأَْصْل ضَعِيفٌ. (2)
__________
(1) الأشباه والنظائر للسيوطي 317 - 318.
(2) الروضة 3 / 489.

الصفحة 40