كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

يَجُوزُ إِطْلاَقُهُ عَلَى تَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَاجِبِ (وَهُوَ الأَْدَاءُ) ، أَوْ تَسْلِيمُ مِثْلِهِ (وَهُوَ الْقَضَاءُ) ، لأَِنَّ مَعْنَى الْقَضَاءِ: الإِْسْقَاطُ وَالإِْتْمَامُ وَالإِْحْكَامُ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَوْجُودَةٌ فِي تَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَاجِبِ، كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي تَسْلِيمِ مِثْلِهِ، فَيَجُوزُ إِطْلاَقُ الْقَضَاءِ عَلَى الأَْدَاءِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لِعُمُومِ مَعْنَاهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمَّا اخْتَصَّ بِتَسْلِيمِ الْمِثْل عُرْفًا أَوْ شَرْعًا كَانَ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا، وَكَانَ إِطْلاَقُهُ عَلَى الأَْدَاءِ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً، مَجَازًا عُرْفِيًّا أَوْ شَرْعِيًّا. (1)
وَيَشْمَل أَيْضًا أَدَاءَ مَا عَلَى الإِْنْسَانِ مِنْ حُقُوقٍ لِغَيْرِهِ كَقَوْلِهِمْ: لَوْ عَرَفَ الْوَصِيُّ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَقَضَاهُ لاَ يَأْثَمُ. (2) .

ب - الاِسْتِيفَاءُ:
3 - الاِسْتِيفَاءُ: طَلَبُ الْوَفَاءِ، يُقَال: اسْتَوْفَيْتُ مِنْ فُلاَنٍ مَا لِي عَلَيْهِ، أَيْ: أَخَذْتُهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَاسْتَوْفَيْتُ الْمَال: إِذَا أَخَذْتُهُ كُلَّهُ. (3) وَهُوَ بِذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الاِقْتِضَاءِ.

دَلاَلَةُ الاِقْتِضَاءِ:
4 - دَلاَلَةُ الاِقْتِضَاءِ هِيَ تَقْدِيرُ مَحْذُوفٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْكَلاَمِ أَوْ صِدْقُهُ.
وَالْكَلاَمُ الَّذِي لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِالزِّيَادَةِ هُوَ الْمُقْتَضِي، وَالْمَزِيدُ هُوَ الْمُقْتَضَى، وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ هُوَ الاِقْتِضَاءُ، وَالْحُكْمُ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ هُوَ حُكْمُ الْمُقْتَضَى، وَمِثَالُهُ مَا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ قَوْل الْقَائِل: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِأَلْفٍ، فَنَفْسُ هَذَا
__________
(1) كشف الأسرار 1 / 137.
(2) ابن عابدين 2 / 703.
(3) لسان العرب مادة (وفى) .
الْكَلاَمِ هُوَ الْمُقْتَضِي، لِعَدَمِ صِحَّتِهِ فِي نَفْسِهِ شَرْعًا، لأَِنَّ الْعِتْقَ فَرْعُ الْمِلْكِيَّةِ، فَكَأَنَّهُ قَال: بِعْنِي عَبْدَكَ بِكَذَا أَوْ وَكَّلْتُكَ فِي إِعْتَاقِهِ، وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا الْكَلاَمُ هِيَ الاِقْتِضَاءُ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ (وَهِيَ الْبَيْعُ) هِيَ الْمُقْتَضَى، وَمَا ثَبَتَ بِالْبَيْعِ (وَهُوَ الْمِلْكُ) هُوَ حُكْمُ الْمُقْتَضِي، وَمِثَالُهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِدْقُ الْمُتَكَلِّمِ، كَقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (1) فَإِنَّ رَفْعَ الْخَطَأِ وَغَيْرِهِ مَعَ تَحَقُّقِهِ مُمْتَنِعٌ فَلاَ بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ نَفْيِ حُكْمٍ يُمْكِنُ نَفْيُهُ، كَنَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ.
وَمِنْهُ مَا أُضْمِرَ لِصِحَّةِ الْكَلاَمِ عَقْلاً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَل الْقَرْيَةَ} (2) ، فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ (أَهْل) لِصِحَّةِ الْمَلْفُوظِ بِهِ عَقْلاً. (3)

الاِقْتِضَاءُ بِمَعْنَى الطَّلَبِ:
5 - الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ هُوَ: خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَال الْمُكَلَّفِينَ بِالاِقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ. وَالاِقْتِضَاءُ - وَهُوَ الطَّلَبُ - إِمَّا أَنْ يَكُونَ طَلَبَ الْفِعْل أَوْ طَلَبَ تَرْكِهِ (4) .
__________
(1) حديث: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " قال العجلوني في كشف الخفاء (1 / 522 - ط الرسالة) : قال في اللآلئ: لا يوجد بهذا اللفظ، وأقرب ما وجد ما رواه ابن عدي عن أبي بكرة بلفظ: " رفع الله عن هذه الأمة ثلاثا: الخطأ، والنسيان والأمر يكرهون عليه " ثم نقل استنكار ابن عدي لهذه الرواية، وكذلك إعلال الإمام أحمد له. وذكر أنه ورد بلفظ: " وضع. . . الحديث ". أخرجه ابن ماجه (1 / 659 - ط الحلبي) وقال: " رجاله ثقات ".
(2) سورة يوسف / 82، وهل يقدر المقتضى عاما أو خاصا، هذه مسألة خلافية تنظر في الملحق الأصولي.
(3) كشف الأسرار 1 / 76، والأحكام للآمدي 2 / 141.
(4) الأحكام للآمدي 1 / 49.

الصفحة 42