كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

إِقْرَارُهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ دُونَ مَا زَادَ، وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الأَْصْحَابِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَال الشَّافِعِيُّ: لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِحَالٍ لِعُمُومِ الْخَبَرِ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ، عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ (1) وَلأَِنَّهُ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّهُ لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ إِلاَّ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ. (2) وَيُقْبَل إِقْرَارُ الصَّبِيِّ بِبُلُوغِهِ الاِحْتِلاَمَ فِي وَقْتِ إِمْكَانِهِ، إِذْ لاَ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ إِلاَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا ادِّعَاءُ الصَّبِيَّةِ الْبُلُوغَ بِرُؤْيَةِ الْحَيْضِ. (3) وَلَوِ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ قُبِل بِبَيِّنَةٍ، وَقِيل: يُصَدَّقُ فِي سِنٍّ يُبْلَغُ فِي مِثْلِهَا، وَهِيَ تِسْعُ سِنِينَ، وَقِيل: عَشْرُ سِنِينَ، وَقِيل: اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَيَلْزَمُهُ بِهَذَا الْبُلُوغِ مَا أَقَرَّ بِهِ. (4)
وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِيمَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ، فَادَّعَى أَنَّهُ بَالِغٌ، بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَمْ يُقِرَّ بِالْبُلُوغِ إِلَى حِينِ الإِْسْلاَمِ فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ قَبْل الإِْقْرَارِ بِالْبُلُوغِ. وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَنِ ارْتَجَعَهَا، وَقَال: هَذَا يَجِيءُ فِي كُل مَنْ أَقَرَّ
__________
(1) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . " أخرجه أبو داود (4 / 560 ط عزت عبيد دعاس) وقواه ابن حجر كما في فيض القدير (4 / 36 ط المكتبة التجارية) .
(2) البدائع 7 / 222، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3 / 397، ونهاية المحتاج 5 / 66، والإنصاف 12 / 128 - 129، والمغني 5 / 150.
(3) التاج والإكليل 5 / 216، ونهاية المحتاج 5 / 66.
(4) الإنصاف 12 / 131 - 132.
بِالْبُلُوغِ بَعْدَ حَقٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، مِثْل الإِْسْلاَمِ، وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ تَبَعًا لأَِبِيهِ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: فَهْمُ الْمُقِرِّ لِمَا يُقِرُّ بِهِ.
20 - لاَ بُدَّ لِلُزُومِ الإِْقْرَارِ وَاعْتِبَارِهِ - أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ مَفْهُومَةً لِلْمُقِرِّ فَلَوْ لُقِّنَ الْعَامِّيُّ كَلِمَاتٍ عَرَبِيَّةً لاَ يَعْرِفُ مَعْنَاهَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا، لأَِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْرِفْ مَدْلُولَهَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ قَصْدُهَا، لأَِنَّ الْعَامِّيَّ - غَيْرَ الْمُخَالِطِ لِلْفُقَهَاءِ - يُقْبَل مِنْهُ دَعْوَى الْجَهْل بِمَدْلُول كَثِيرٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْفُقَهَاءِ، بِخِلاَفِ الْمُخَالِطِ فَلاَ يُقْبَل مِنْهُ فِيمَا لاَ يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ مَعْنَاهُ. وَبِالأَْوْلَى لَوْ أَقَرَّ الْعَرَبِيُّ بِالْعَجَمِيَّةِ أَوِ الْعَكْسِ وَقَال: لَمْ أَدْرِ مَا قُلْتُ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، لأَِنَّهُ أَدْرَى بِنَفْسِهِ، وَالظَّاهِرُ مَعَهُ (1) .

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الاِخْتِيَارُ.
21 - وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ الاِخْتِيَارُ، مَدْعَاةً لِلصِّدْقِ، فَيُؤَاخَذُ بِهِ الْمُكَلَّفُ بِلاَ حَجْرٍ، أَيْ حَال كَوْنِهِ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. فَإِذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِل طَوَاعِيَةً بِحَقٍّ لَزِمَهُ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ بِمَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْتِزَامُهُ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ بِيَدِهِ وَوِلاَيَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ، وَلَوْ عَلَى مُوَكِّلِهِ أَوْ مُورَثِهِ أَوْ مُوَلِّيهِ. (2) .
__________
(1) المنثور في القواعد للزركشي 2 / 13 - 14.
(2) البدائع 7 / 222، وتبيين الحقائق 5 / 3 - 4، والهداية ونتائج الأفكار 6 / 284، وحاشية ابن عابدين 4 / 449، والشرح الصغير بحاشية الصاوي 3 / 525، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3 / 397، ومواهب الجليل 5 / 216، ونهاية المحتاج 4 / 307 والإنصاف 12 / 125 - 126، والمغني 5 / 149 - 150.

الصفحة 52