كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

الشَّرْطُ السَّادِسُ: عَدَمُ التُّهْمَةِ.
22 - وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي إِقْرَارِهِ، لأَِنَّ التُّهْمَةَ تُخِل بِرُجْحَانِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ فِي إِقْرَارِهِ، لأَِنَّ إِقْرَارَ الإِْنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ شَهَادَةٌ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} (1) وَالشَّهَادَةُ عَلَى نَفْسِهِ إِقْرَارٌ. وَالشَّهَادَةُ تَرِدُ بِالتُّهْمَةِ (2) . وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: مَا لَوْ أَقَرَّ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ صَدَاقَةٌ أَوْ مُخَالَطَةٌ. (3)
23 - وَمِمَّنْ يُتَّهَمُ فِي إِقْرَارِهِ الْمَدِينُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، لإِِحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ الَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَهُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُفْلِسِ.
بَل صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ - أَلاَّ يَكُونَ مُتَّهَمًا - إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ وَالصَّحِيحِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، لإِِحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ الَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ. (4)
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُفْلِسَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فَلَّسَ فِيهِ مُتَّهَمٌ فِي إِقْرَارِهِ، فَلاَ يُقْبَل إِقْرَارُهُ لأَِحَدٍ، حَيْثُ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي فَلَّسَ فِيهِ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ، لأَِنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى ضَيَاعِ مَال الْغُرَمَاءِ، وَلاَ يَبْطُل الإِْقْرَارُ، بَل هُوَ لاَزِمٌ يُتْبَعُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَيُؤَاخَذُ بِهِ الْمُقِرُّ فِيمَا يَجِدُّ لَهُ مِنْ مَالٍ فَقَطْ، وَلاَ يُحَاصُّ الْمُقَرُّ لَهُ الْغُرَمَاءَ بِالدَّيْنِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْمُفْلِسُ. (5)
__________
(1) سورة النساء / 135.
(2) البدائع 7 / 223، وحاشية الدسوقي 3 / 397، والشرح الصغير 3 / 527، والتاج والإكليل 5 / 216، والمهذب 2 / 345، وكشاف القناع 6 / 455.
(3) الدسوقي 3 / 398.
(4) حاشية الدسوقي 3 / 387.
(5) بلغة السالك على الشرح الصغير 3 / 190، وحاشية الدسوقي 3 / 398، وانظر حاشية ابن عابدين عند الكلام عن إقرار المريض المدين 4 / 461 - 463.
وَنَقَل الْقَاضِي عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُفْلِسَ إِذَا أَقَرَّ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ، يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ الَّذِي بِالْبَيِّنَةِ، لأَِنَّهُ أَقَرَّ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِتَرِكَتِهِ، فَوَجَبَ أَلاَّ يُشَارِكَ الْمُقَرُّ لَهُ مَنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِبَيِّنَةٍ، كَغَرِيمِ الْمُفْلِسِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا قَال النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. (1)
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ، فَقَالُوا: لَوْ أَقَرَّ الْمُفْلِسُ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْل الْحَجْرِ، فَالأَْظْهَرُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ لاِنْتِفَاءِ التُّهْمَةِ الظَّاهِرَةِ، وَقِيل: لاَ يُقْبَل إِقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ، لِئَلاَّ يَضُرَّهُمْ بِالْمُزَاحَمَةِ، وَلأَِنَّهُ رُبَّمَا وَاطَأَ الْمُقَرَّ لَهُ.
وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إِلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ لَمْ يُقْبَل فِي حَقِّهِمْ، بَل يُطَالَبُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ. وَلَوْ لَمْ يُسْنِدْ وُجُوبَهُ إِلَى مَا قَبْل الْحَجْرِ وَلاَ لِمَا بَعْدَهُ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ - عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ - تَنْزِيلُهُ عَلَى الأَْقَل، وَهُوَ جَعْلُهُ كَالْمُسْنَدِ إِلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ. (2)
إِقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ:
24 - وَمِمَّنْ يُتَّهَمُ فِي إِقْرَارِهِ: الْمَرِيضُ مَرَضَ مَوْتٍ فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ فِي مُصْطَلَحِ (مَرَضِ الْمَوْتِ) وَإِنْ كَانَ الأَْصْل أَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ الإِْقْرَارِ فِي الْجُمْلَةِ. (3)
إِذِ الصِّحَّةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْمُقِرِّ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ، لأَِنَّ صِحَّةَ إِقْرَارِ الصَّحِيحِ بِرُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ، وَحَال الْمَرِيضِ أَدَل عَلَى الصِّدْقِ، فَكَانَ إِقْرَارُهُ أَوْلَى
__________
(1) المغني 5 / 213 ط الرياض.
(2) نهاية المحتاج 4 / 307، والمهذب 2 / 345.
(3) البدائع 7 / 223.

الصفحة 53