كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلْمُقِرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ حِسًّا وَشَرْعًا:
28 - فَلَوْ أَقَرَّ لِبَهِيمَةٍ أَوْ دَارٍ، بِأَنَّ لَهَا عَلَيْهِ أَلْفًا وَأَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ الإِْقْرَارُ، لأَِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْل الاِسْتِحْقَاقِ.
أَمَّا لَوْ ذَكَرَ سَبَبًا يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَال: عَلَيَّ كَذَا لِهَذِهِ الدَّابَّةِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، أَوْ لِهَذِهِ الدَّارِ بِسَبَبِ غَصْبِهَا أَوْ إِجَارَتِهَا، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا الإِْقْرَارَ صَحِيحٌ، وَيَكُونُ الإِْقْرَارُ فِي الْحَقِيقَةِ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ أَوِ الدَّارِ وَقْتَ الإِْقْرَارِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمِرْدَاوِيِّ، كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ. لَكِنَّ جُمْهُورَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الإِْقْرَارَ لاَ يَصِحُّ، لأَِنَّ هَذَا الإِْقْرَارَ وَقَعَ لِلدَّارِ وَلِلدَّابَّةِ، وَهُمَا لَيْسَتَا مِنْ أَهْل الاِسْتِحْقَاقِ. (1)
الإِْقْرَارُ لِلْحَمْل:
29 - إِنْ أَقَرَّ لِحَمْل امْرَأَةٍ عَيَّنَهَا بِدَيْنٍ أَوْ عَيَّنَ فَقَال: عَلَيَّ كَذَا، أَوْ عِنْدِي كَذَا لِهَذَا الْحَمْل وَبَيَّنَ السَّبَبَ فَقَال: بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، كَانَ الإِْقْرَارُ مُعْتَبَرًا وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لإِِمْكَانِهِ. وَكَانَ الْخَصْمُ فِي ذَلِكَ وَلِيَّ الْحَمْل عِنْدَ الْوَضْعِ، إِلاَّ إِذَا تَمَّ الْوَضْعُ لأَِكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ - مِنْ حِينِ الاِسْتِحْقَاقِ مُطْلَقًا - الَّتِي هِيَ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْل - كَمَا يَرَى فَرِيقٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ - أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ - الَّتِي هِيَ أَقَل مُدَّةِ الْحَمْل - وَهِيَ فِرَاشٌ لَمْ يُسْتَحَقَّ، لاِحْتِمَال حُدُوثِ الْحَمْل بَعْدَ الإِْقْرَارِ. وَلاَ
__________
(1) نهاية المحتاج 7 / 73، وحاشية قليوبي على المنهاج 3 / 4، والمهذب 2 / 246، والشرح الصغير 3 / 526، وحاشية الدسوقي 3 / 498، والإنصاف 12 / 145، والمغني 5 / 153 - 154، وكشاف القناع 6 / 459، والدر المختار وحاشية ابن عابدين 4 / 455.
يَصِحُّ الإِْقْرَارُ (1) إِلاَّ لِحَمْلٍ يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ عِنْدَ الإِْقْرَارِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا وَضَعَتْهُ لأَِقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لأَِكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى سَنَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِلَى أَرْبَعَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَيَنُصُّ الْمَالِكِيَّةُ: وَلَزِمَ الإِْقْرَارُ لِلْحَمْل، وَإِنْ كَانَ الإِْقْرَارُ أَصْلُهُ وَصِيَّةٌ فَلَهُ الْكُل، وَإِنْ كَانَ بِالإِْرْثِ مِنَ الأَْبِ - وَهُوَ ذَكَرٌ - فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهَا النِّصْفُ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ إِنْ أَسْنَدَهُ إِلَى وَصِيَّةٍ، وَأَثْلاَثًا إِنْ أَسْنَدَهُ إِلَى إِرْثٍ، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ جِهَةُ التَّوْرِيثِ يَسْتَوِي فِيهَا الذَّكَرُ وَالأُْنْثَى كَالإِْخْوَةِ لأُِمٍّ، وَإِنْ أَسْنَدَ السَّبَبَ إِلَى جِهَةٍ لاَ تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ كَقَوْلِهِ: بَاعَنِي شَيْئًا فَلَغْوٌ لِلْقَطْعِ بِكَذِبِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَطْلَقَ الإِْقْرَارَ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى شَيْءٍ صَحَّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، لإِِطْلاَقِهِمُ الْقَوْل بِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِحَال حَمْل امْرَأَةٍ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ. (2) وَقَال أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: لاَ يَصِحُّ إِلاَّ أَنْ يُسْنِدَهُ إِلَى سَبَبٍ مِنْ إِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَقِيل: لاَ يَصِحُّ مُطْلَقًا. قَال فِي النُّكَتِ: وَلاَ أَحْسِبُ هَذَا قَوْلاً فِي الْمَذْهَبِ.
وَصَحَّ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَيُحْمَل عَلَى الْمُمْكِنِ فِي حَقِّهِ، صَوْنًا لِكَلاَمِ الْمُكَلَّفِ عَنِ الإِْلْغَاءِ مَا أَمْكَنَ. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَصِحُّ، إِذِ الْمَال لاَ يَجِبُ إِلاَّ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ، وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ فِي حَقِّهِ، فَحُمِل الإِْطْلاَقُ عَلَى الْوَعْدِ. (3) وَقَال
__________
(1) الهداية وتكملة الفتح 6 / 304، والبدائع 7 / 223، وحاشية الدسوقي 3 / 401.
(2) كشاف القناع 6 / 464.
(3) الإنصاف 5 / 223، 12 / 156، ونهاية المحتاج 5 / 73 - 74، والمهذب 2 / 345 - 346، وتكملة الفتح على الهداية 6 / 304.

الصفحة 57