كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)

رِضَاهُ، فَلاَ بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ وَقْتِ التَّعَلُّقِ. (1)
35 - وَلَمَّا كَانَ الإِْقْرَارُ إِخْبَارًا عَنْ كَائِنٍ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا وَقَدْ يَكُونُ مَجْهُولاً، فَإِنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لاَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الإِْقْرَارِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ. (2) فَلَوْ أَتْلَفَ عَلَى آخَرَ شَيْئًا لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الأَْمْثَال فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، أَوْ جَرَحَ آخَرَ جِرَاحَةً لَيْسَ لَهَا فِي الشَّرْعِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَأَقَرَّ بِالْقِيمَةِ وَالأَْرْشِ، فَكَانَ الإِْقْرَارُ بِالْمَجْهُول إِخْبَارًا عَنِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ. وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ لأَِنَّهُ هُوَ الْمُجْمَل، فَكَانَ الْبَيَانُ عَلَيْهِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (3) وَيَصِحُّ بَيَانُهُ مُتَّصِلاً وَمُنْفَصِلاً، لأَِنَّهُ بَيَانٌ مَحْضٌ فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوَصْل.
36 - لاَ بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ، لأَِنَّهُ أَقَرَّ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ، وَمَا لاَ قِيمَةَ لَهُ لاَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا بَيَّنَ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَادَّعَى عَلَيْهِ زِيَادَةً، أَخَذَ ذَلِكَ الْقَدْرَ الْمُعَيَّنَ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزِّيَادَةِ، وَإِلاَّ حَلَّفَهُ عَلَيْهَا إِنْ أَرَادَ، لأَِنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَالْقَوْل قَوْل الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَادَّعَى عَلَيْهِ مَالاً آخَرَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَإِلاَّ حَلَّفَهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا عَيَّنَهُ، لأَِنَّهُ أَبْطَل إِقْرَارَهُ بِالتَّكْذِيبِ.
وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قَال: لِفُلاَنٍ عَلَيَّ مَالٌ، يُصَدَّقُ
__________
(1) البدائع 7 / 224.
(2) البدائع 7 / 214، ورد المحتار 4 / 450، وتبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه 5 / 4، وتكملة الفتح والهداية 6 / 285، وحاشية الدسوقي 3 / 410، والتاج والإكليل 5 / 230 - 231، ومواهب الجليل 5 / 231، ونهاية المحتاج 5 / 286، والمهذب 2 / 344، والمغني 5 / 187، وكشاف القناع 6 / 453، 465، والإنصاف 12 / 204.
(3) سورة القيامة / 18 - 19.
فِي الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ؛ لأَِنَّ الْمَال اسْمُ مَا يُتَمَوَّل، وَهَذَا يَقَعُ عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ، وَيَصِحُّ بَيَانُهُ مُتَّصِلاً وَمُنْفَصِلاً. (1) وَبِهَذَا قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ يُقْبَل تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الْمَال الزَّكَوِيِّ، وَأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ مَالِكٍ حَكَوْا عَنْهُ ثَلاَثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا كَغَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالثَّانِي: لاَ يُقْبَل إِلاَّ أَوَّل نِصَابٍ مِنْ نُصُبِ الزَّكَاةِ مِنْ نَوْعِ أَمْوَالِهِمْ، وَالثَّالِثُ: مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ وَيَصِحُّ مَهْرًا. (2)
وَيَقُول الزَّيْلَعِيُّ: لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَل مِنْ دِرْهَمٍ؛ لأَِنَّ مَا دُونَهُ لاَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَال عَادَةً وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ.
وَلَوْ قَال: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ فَالْوَاجِبُ نِصَابٌ، لأَِنَّهُ عَظِيمٌ فِي الشَّرْعِ حَتَّى اعْتُبِرَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ يُصَدَّقُ فِي أَقَل مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، لأَِنَّهُ نِصَابُ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ، وَهُوَ عَظِيمٌ حَيْثُ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ وَيَصْلُحُ مَهْرًا. (3)
وَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيَانِ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ، لأَِنَّ مَا لاَ قِيمَةَ لَهُ لاَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، فَإِذَا بَيَّنَ بِمَا لاَ قِيمَةَ لَهُ اعْتُبِرَ رُجُوعًا، وَالْقَوْل قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنِ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْقَوْل قَوْل الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ. (4)
وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ أَوْ حَقٍّ، وَقَال: أَرَدْتُ حَقَّ
__________
(1) البدائع 7 / 214، ورد المحتار 4 / 450، وتبيين الحقائق 5 / 4 - 5، ونهاية المحتاج 5 / 86، والمغني 5 / 187، وكشاف القناع 6 / 476.
(2) المغني 5 / 188 - 189.
(3) تبيين الحقائق 5 / 5.
(4) تكملة الفتح والهداية 6 / 285.

الصفحة 60