كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 6)
يَحْتَمِل أَنْ يُقْبَل تَفْسِيرُهُ، فَهُمْ فِي هَذَا كَالشَّافِعِيَّةِ. (1)
37 - وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مَعْلُومَ الأَْصْل وَمَجْهُول الْوَصْفِ، نَحْوَ أَنْ يَقُول: إِنَّهُ غَصَبَ مِنْ فُلاَنٍ ثَوْبًا مِنَ الْعُرُوضِ، فَيُصَدَّقُ فِي الْبَيَانِ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ سَلِيمًا كَانَ أَوْ مَعِيبًا، لأَِنَّ الْغَصْبَ يُرَدُّ عَلَى السَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ عَادَةً، وَقَدْ بَيَّنَ الأَْصْل وَأَجَّل الْوَصْفَ، فَيُرْجَعُ فِي بَيَانِ الْوَصْفِ إِلَيْهِ فَيَصِحُّ مُنْفَصِلاً، وَمَتَى صَحَّ بَيَانُهُ يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ (2) وَإِنْ قَال: غَصَبْتُ شَيْئًا فَطَلَبَ مِنْهُ الْبَيَانَ فَفَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ قُبِل، لأَِنَّ اسْمَ الْغَصْبِ يَقَعُ عَلَيْهِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ يُقْبَل تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ مِمَّا لاَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ. (3)
وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ مَا عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ كَانَ رَهْنًا، فَقَال الْمُقَرُّ لَهُ: بَل وَدِيعَةٌ، فَالْقَوْل قَوْل الْمُقَرِّ لَهُ (الْمَالِكِ) لأَِنَّ الْعَيْنَ تَثْبُتُ بِالإِْقْرَارِ، وَادَّعَى الْمُقِرُّ دَيْنًا لاَ يَعْتَرِفُ لَهُ بِهِ وَالْقَوْل قَوْل الْمُنْكِرِ، وَلأَِنَّهُ أَقَرَّ بِمَالٍ لِغَيْرِهِ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ بِهِ تَعَلُّقًا (حَقًّا فِي الاِحْتِبَاسِ) فَلَمْ يُقْبَل، كَمَا لَوِ ادَّعَاهُ بِكَلاَمٍ مُنْفَصِلٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَارٍ وَقَال: اسْتَأْجَرْتُهَا، أَوْ بِثَوْبٍ وَادَّعَى أَنَّهُ خَاطَهُ بِأَجْرٍ يَلْزَمُ الْمُقَرَّ لَهُ. لَمْ يُقْبَل لأَِنَّهُ مُدَّعٍ عَلَى غَيْرِهِ حَقًّا فَلاَ يُقْبَل قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ.
وَإِنْ قَال: لَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ
__________
(1) المغني 5 / 187، وكشاف القناع 6 / 480 - 481، والإنصاف 12 / 205.
(2) البدائع 7 / 215.
(3) المغني 5 / 188.
أَقْبِضْهُ، فَقَال الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بَل لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ وَلاَ شَيْءَ لَكَ عِنْدِي. قَال أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا. الْقَوْل قَوْل الْمُقَرِّ لَهُ، لأَِنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ بِالأَْلْفِ وَادَّعَى عَلَيْهِ مَبِيعًا، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا قَال: هَذَا رَهْنٌ، فَقَال الْمَالِكُ: وَدِيعَةٌ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَمْ أَقْبِضْهَا.
الثَّانِي: الْقَوْل قَوْل الْمُقِرِّ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ، لأَِنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ لَهُ وَلاَ يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الآْخَرِ. (1)
وَيُصَرِّحُ ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الإِْقْرَارِ بِالْمَجْهُول تُقْبَل، لأَِنَّ الإِْقْرَارَ بِهِ صَحِيحٌ، وَمَا كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ صَحَّتِ الشَّهَادَةُ بِهِ كَالْمَعْلُومِ (2) .
38 - وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ لِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ أَلاَّ يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ حِينَ يُقِرُّ، لأَِنَّ الإِْقْرَارَ لَيْسَ إِزَالَةً عَنِ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَلاَ بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَخْبَرِ عَنْهُ عَلَى الْخَبَرِ، فَلَوْ قَال: دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو وَلَمْ يُرِدِ الإِْقْرَارَ فَهُوَ لَغْوٌ، لأَِنَّ الإِْضَافَةَ إِلَيْهِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ لَهُ، فَيُنَافِي إِقْرَارَهُ لِغَيْرِهِ وَيُحْمَل عَلَى الْوَعْدِ بِالْهِبَةِ. وَلَوْ قَال: هَذَا لِفُلاَنٍ وَكَانَ مِلْكِي إِلَى أَنْ أَقْرَرْتُ بِهِ، فَأَوَّل كَلاَمِهِ إِقْرَارٌ، وَآخِرُهُ لَغْوٌ، فَلْيُطْرَحْ آخِرُهُ فَقَطْ، وَيُعْمَل بِأَوَّلِهِ، لاِشْتِمَالِهِ عَلَى جُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ. (3)
39 - كَمَا اشْتَرَطُوا لإِِعْمَال الإِْقْرَارِ - أَيِ التَّسْلِيمِ
__________
(1) المغني 5 / 194.
(2) المغني 5 / 193.
(3) نهاية المحتاج 5 / 81 - 82.
الصفحة 62