كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

الذِّمَّةَ هِيَ مَحَل الْوُجُوبِ، وَلِهَذَا يُضَافُ إِلَيْهَا وَلاَ يُضَافُ إِلَى غَيْرِهَا بِحَالٍ، وَلِهَذَا اخْتَصَّ الإِْنْسَانُ بِالْوُجُوبِ دُونَ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا ذِمَّةٌ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الذِّمَّةِ لِلإِْنْسَانِ مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، حَتَّى يَكُونَ صَالِحًا لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ لَهُ وَعَلَيْهِ، فَيَثْبُتُ لَهُ مِلْكُ النِّكَاحِ بِتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ إِيَّاهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بِعَقْدِ الْوَلِيِّ. (1)
أَنْوَاعُ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ:

7 - أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ نَوْعَانِ:
أ - أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ النَّاقِصَةُ، وَتَتَمَثَّل فِي الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، بِاعْتِبَارِهِ نَفْسًا مُسْتَقِلَّةً عَنْ أُمِّهِ ذَا حَيَاةٍ خَاصَّةٍ، فَإِنَّهُ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ لَهُ مِنْ وَجْهٍ كَمَا سَيَأْتِي، لاَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ ذِمَّتَهُ لَمْ تَكْتَمِل مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
ب - أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ الْكَامِلَةُ، وَهِيَ تَثْبُتُ لِلإِْنْسَانِ مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، فَإِنَّهُ تَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ الْكَامِلَةُ؛ لِكَمَال ذِمَّتِهِ حِينَئِذٍ مِنْ كُل وَجْهٍ، فَيَكُونُ بِهَذَا صَالِحًا لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ لَهُ وَعَلَيْهِ. (2)
ثَانِيًا: أَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ:
8 - سَبَقَ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الأَْدَاءِ هِيَ: صَلاَحِيَّةُ الإِْنْسَانِ لِصُدُورِ الْفِعْل مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْتَدَ بِهِ شَرْعًا (3) .
وَأَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ هَذِهِ لاَ تُوجَدُ عِنْدَ الشَّخْصِ إِلاَّ إِذَا
__________
(1) كشف الأسرار 4 / 237، 238 ط دار الكتاب العربي.
(2) التقرير والتحبير 2 / 165 ط الأميرية، والتلويح على التوضيح 2 / 163 ط صبيح، وأصول السرخسي 2 / 333 ط دار الكتاب العربي.
(3) التلويح علي التوضيح 2 / 161 ط صبيح، والتقرير والتحبير 3 / 164 ط الأميرية، وكشف الأسرار عن أصول البزدوي 4 / 237 ط دار الكتاب العربي.
بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ؛ لِقُدْرَتِهِ حِينَئِذٍ عَلَى فَهْمِ الْخِطَابِ وَلَوْ عَلَى سَبِيل الإِْجْمَال، وَلِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِبَعْضِ الأَْعْبَاءِ، فَتَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ الْقَاصِرَةُ، وَهِيَ الَّتِي تُنَاسِبُهُ مَا دَامَ نُمُوُّهُ لَمْ يَكْتَمِل جِسْمًا وَعَقْلاً، فَإِذَا اكْتَمَل بِبُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ ثَبَتَتْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ الْكَامِلَةِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَهْلاً لِلتَّحَمُّل وَالأَْدَاءِ، بِخِلاَفِ غَيْرِ الْمُمَيَّزِ، فَإِنَّهُ لاَ تَثْبُتُ لَهُ هَذِهِ الأَْهْلِيَّةُ لاِنْتِفَاءِ الْقُدْرَتَيْنِ عَنْهُ.

أَنْوَاعُ أَهْلِيَّةِ الأَْدَاءِ:
9 - أَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ نَوْعَانِ:
أ - أَهْلِيَّةُ أَدَاءٍ قَاصِرَةٍ، وَهِيَ الَّتِي تَثْبُتُ بِقُدْرَةٍ قَاصِرَةٍ.
ب - أَهْلِيَّةُ أَدَاءٍ كَامِلَةٍ، وَهِيَ الَّتِي تَثْبُتُ بِقُدْرَةٍ كَامِلَةٍ. (1)
وَالْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ هُنَا: قُدْرَةُ الْجِسْمِ أَوِ الْعَقْل، أَوْ هُمَا مَعًا؛ لأَِنَّ الأَْدَاءَ - كَمَا قَال الْبَزْدَوِيُّ - يَتَعَلَّقُ بِقُدْرَتَيْنِ: قُدْرَةِ فَهْمِ الْخِطَابِ وَذَلِكَ بِالْعَقْل، وَقُدْرَةِ الْعَمَل بِهِ وَهِيَ بِالْبَدَنِ، وَالإِْنْسَانُ فِي أَوَّل أَحْوَالِهِ عَدِيمُ الْقُدْرَتَيْنِ، لَكِنْ فِيهِ اسْتِعْدَادٌ وَصَلاَحِيَّةٌ لأَِنْ تُوجَدَ فِيهِ كُل وَاحِدَةٍ مِنَ الْقُدْرَتَيْنِ شَيْئًا فَشَيْئًا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَرَجَةَ الْكَمَال، فَقَبْل بُلُوغِ دَرَجَةِ الْكَمَال كَانَتْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَاصِرَةً، كَمَا هُوَ الْحَال فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ قَبْل الْبُلُوغِ، وَقَدْ تَكُونُ إِحْدَاهُمَا قَاصِرَةً، كَمَا فِي الْمَعْتُوهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنَّهُ قَاصِرُ الْعَقْل مِثْل الصَّبِيِّ، وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْبَدَنِ، وَلِهَذَا أُلْحِقَ بِالصَّبِيِّ فِي الأَْحْكَامِ.
__________
(1) التلويح على التوضيح 2 / 164 ط صبيح.

الصفحة 153