كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَدَنِيَّةً أَمْ مَالِيَّةً.
أَمَّا الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنِ الْفَهْمِ وَضَعْفِ بَدَنِهِ.
وَأَمَّا الْمَالِيَّةُ، فَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ فِطْرٍ، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ مَالٍ، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ عِبَادَةً خَالِصَةً بَل فِيهَا مَعْنَى الْمَئُونَةِ، أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الأَْغْنِيَاءِ حَقًّا لِلْمُحْتَاجِينَ، فَتَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّهَا عِنْدَهُمْ عِبَادَةٌ خَالِصَةٌ، وَتَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ، وَلاَ تَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ حُقُوقُ اللَّهِ عُقُوبَاتٍ كَالْحُدُودِ، فَإِنَّهَا لاَ تَلْزَمُهُ وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُقُوبَاتُ الَّتِي هِيَ حُقُوقُ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ؛ لأَِنَّ الْعُقُوبَةَ إِنَّمَا وُضِعَتْ جَزَاءً لِلتَّقْصِيرِ، وَهُوَ لاَ يُوصَفُ بِهِ. (1)

ثَالِثًا: أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ:
17 - أَقْوَال الصَّبِيِّ وَأَفْعَالُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ؛ لأَِنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يُمَيِّزْ فَلاَ اعْتِدَادَ بِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ. (2)
__________
(1) التلويح على التوضيح 2 / 163، 164 ط صبيح، والتقرير والتحبير 2 / 165، 166 ط الأميرية، وكشف الأسرار عن أصول البزدوي 4 / 239، 248 ط دار الكتاب العربي، وفتح الغفار على المنار 3 / 81 ط الحلبي.
(2) المنثور للزركشي 2 / 301، نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في الكويت، وانظر أيضا مصطلح (طفل، وصغير) في الموسوعة الفقهية.
الْمَرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ: التَّمْيِيزُ:
18 - التَّمْيِيزُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ: مِزْتُهُ مَيْزًا، مِنْ بَابِ بَاعَ، وَهُوَ: عَزْل الشَّيْءِ وَفَصْلُهُ مِنْ غَيْرِهِ.
وَيَكُونُ فِي الْمُشْتَبِهَاتِ وَالْمُخْتَلِطَاتِ، وَمَعْنَى تَمَيُّزِ الشَّيْءِ: انْفِصَالُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَمِنْ هُنَا فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ: سِنُّ التَّمْيِيزِ، وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ: تِلْكَ السِّنُّ الَّتِي إِذَا انْتَهَى إِلَيْهَا عَرَفَ مَضَارَّهُ وَمَنَافِعَهُ، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَيَّزْتُ الأَْشْيَاءَ: إِذَا فَرَّقْتُهَا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهَا، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ: التَّمْيِيزُ قُوَّةٌ فِي الدِّمَاغِ يُسْتَنْبَطُ بِهَا الْمَعَانِيَ.
وَهَذِهِ الْمَرْحَلَةُ تَبْدَأُ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ سَبْعَ سِنِينَ، وَهُوَ سِنُّ التَّمْيِيزِ كَمَا حَدَّدَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَتَنْتَهِي بِالْبُلُوغِ، فَتَشْمَل الْمُرَاهِقَ وَهُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ. (1)
فَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ يُصْبِحُ عِنْدَ الصَّبِيِّ مِقْدَارٌ مِنَ الإِْدْرَاكِ وَالْوَعْيِ يَسْمَحُ لَهُ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ، فَتَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ الْقَاصِرَةِ؛ لأَِنَّ نُمُوَّهُ الْبَدَنِيَّ وَالْعَقْلِيَّ لَمْ يَكْتَمِلاَ بَعْدُ، وَبَعْدَ اكْتِمَالِهِمَا تَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ الْكَامِلَةِ؛ لأَِنَّ أَهْلِيَّةَ الأَْدَاءِ الْكَامِلَةِ لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ بِاكْتِمَال النُّمُوِّ الْبَدَنِيِّ وَالنُّمُوِّ الْعَقْلِيِّ، فَمَنْ لَمْ يَكْتَمِل نُمُوُّهُ الْبَدَنِيُّ وَالْعَقْلِيُّ مَعًا، أَوْ لَمْ يَكْتَمِل فِيهِ نُمُوُّ أَحَدِهِمَا فَأَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ فِيهِ تَكُونُ قَاصِرَةً.
فَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ؛ لِعَدَمِ اكْتِمَال الْعَقْل فِيهِ، وَإِنْ كَانَ كَامِلاً مِنَ النَّاحِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ، بِخِلاَفِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ كَامِلَةً مُنْذُ الْوِلاَدَةِ، فَالطِّفْل
__________
(1) المصباح المنير مادة: " ميز "، وحاشية ابن عابدين 5 / 421 ط بولاق، وجواهر الإكليل 1 / 22 ط دار المعرفة.

الصفحة 157