كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

فِي مَعْنَى الشَّفَقِ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَظْهَرُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ بَعْدَ ذَهَابِ الْحُمْرَةِ الَّتِي تَعْقُبُ غُرُوبَ الشَّمْسِ، وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْحُمْرَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّفَقَيْنِ يُقَدَّرُ بِثَلاَثِ دَرَجَاتٍ، وَهِيَ تَعْدِل اثْنَتَيْ عَشْرَةَ دَقِيقَةً. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْعِشَاءِ سَبْعَةَ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَهُوَ أَوَّلُهُ، وَاخْتِيَارٌ إِلَى آخِرِ ثُلُثِ اللَّيْل الأَْوَّل، وَقِيل إِلَى نِصْفِ اللَّيْل لِحَدِيثِ: لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأََخَّرْتُ صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْل (1) وَجَوَازٌ بِلاَ كَرَاهَةٍ لِلْفَجْرِ الأَْوَّل، وَبِكَرَاهَةٍ إِلَى الْفَجْرِ الثَّانِي، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وَضَرُورَةٍ وَعُذْرٍ.
اسْتَدَل أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْبَيَاضُ، بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ: إِنَّ آخِرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ يَسْوَدُّ الأُْفُقُ (2) وَإِنَّمَا يَسْوَدُّ إِذَا خَفِيَتِ الشَّمْسُ فِي الظَّلاَمِ، وَهُوَ وَقْتُ مَغِيبِ الشَّفَقِ الأَْبْيَضِ. (3)
وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْحُمْرَةُ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ عِنْدَ
__________
(1) حديث: " لولا أن أشق. . . " أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ". وقال: حديث أبي هريرة حديث صحيح (تحفة الأحوذي 1 / 508 نشر المكتبة السلفية) .
(2) حديث: " إن آخر وقت المغرب حين يسود الأفق. . . " أورده الزيلعي في نصب الراية بلفظ: " آخر وقت المغرب إذا اسود الأفق " واستغربه، وقال ابن حجر في الدراية: لم أجده لكن في حديث أبي مسعود عند أبي داود: ويصلي المغرب حين تسقط الشمس ويصلي العشاء حين يسود الأفق (نصب الراية 1 / 234، والدراية 1 / 103، وعون المعبود 1 / 152 ط الهند) .
(3) بدائع الصنائع 1 / 124.
مَغِيبِ الْقَمَرِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ (1) وَهُوَ وَقْتُ مَغِيبِ الشَّفَقِ الأَْحْمَرِ. (2)
13 - أَمَّا نِهَايَةُ وَقْتِ الْعِشَاءِ، فَحِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ الصَّادِقُ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَغَيْرُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوَّل وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ، وَآخِرُهُ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ (3) وَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا ثُلُثُ اللَّيْل، لِحَدِيثِ إِمَامَةِ جِبْرِيل الْمُتَقَدِّمِ، وَفِيهِ: أَنَّهُ صَلاَّهُمَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي ثُلُثِ اللَّيْل.
__________
(1) حديث: " أنه كان يصلي العشاء عند مغيب القمر في الليلة الثالثة " أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي من حديث النعمان بن بشير بلفظ " أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة العشاء الآخرة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة " قال ابن العربي: هو حديث صحيح. (تحفة الأحوذي 1 / 507 نشر المكتبة السلفية، وسنن النسائي 1 / 264 وسنن أبي داود 1 / 291، 292 ط استانبول، ونيل الأوطار 2 / 9، 10 ط المطبعة العثمانية) .
(2) بدائع الصنائع 1 / 124.
(3) حديث: " أول وقت العشاء حين يغيب الشفق، وآخره حين يطلع الفجر " الشطر الأول من الحديث أخرجه الترمذي بلفظ " إن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق " ضمن حديث طويل، وقال عبد القادر الأرناؤوط: هو حديث حسن. وأما الشطر الثاني من الحديث أورده ابن حجر في الدراية بلفظ: " آخر وقت العشاء حين يطلع الفجر " وقال: لم أجده، لكن قال الطحاوي: يظهر من مجموع الأحاديث أن آخر وقت العشاء حين يطلع الفجر، وذلك أن في حديث ابن عباس وأبي موسى وأبي سعيد الخدري رووا أنه أخرها إلى ثلث الليل، وفي حديث أبي هريرة وأنس: أنه أخرها حتى انتصف، وفي حديث عائشة: أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل، فثبت أن الليل كله وقت لها، ويؤيده كتاب عمر إلى أبي موسى: وصل العشاء أي الليل شئت. وحديث أبي قتادة: " ليس في النوم تفريط " (سنن الترمذي 1 / 283، 284 ط الحلبي. وجامع الأصول 5 / 241، 215، والدراية 1 / 103 ط الفجالة) .

الصفحة 175