كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

مِنَ السَّيْرِ فِي الظَّلاَمِ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأَْجْرِ (1) .
وَلأَِنَّ فِي الإِْسْفَارِ تَكْثِيرًا لِلْجَمَاعَةِ، وَفِي التَّغْلِيسِ أَيِ السَّيْرِ فِي الظُّلْمَةِ تَقْلِيلُهَا، فَكَانَ أَفْضَل، هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَال، أَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ يُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ أَوَّل الْوَقْتِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الشَّابَّاتُ وَالْعَجَائِزُ، لاَ سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
وَكَذَلِكَ الْحَاجُّ فِي مُزْدَلِفَةَ فَجْرَ يَوْمِ النَّحْرِ، يُصَلِّي الْفَجْرَ بِغَلَسٍ فِي أَوَّل الْوَقْتِ؛ لِيَتَفَرَّغَ لِوَاجِبِ الْوُقُوفِ الَّذِي يَبْدَأُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي يَوْمَ النَّحْرِ وَآخِرُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْهُ؛ لأَِنَّ الْوُقُوفَ وَاجِبٌ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ. (2)
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (3) إِلَى أَنَّ التَّغْلِيسَ - أَيِ السَّيْرَ فِي الظَّلاَمِ - أَفْضَل؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاَةَ لاَ يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ (4)
__________
(1) حديث: " أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر. . . " أخرجه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح قال الحافظ ابن حجر في الفتح: رواه أصحاب السنن وصححه غير واحد (سنن أبي داود 1 / 294 ط استانبول، وتحفة الأحوذي 1 / 477 - 479 نشر المكتبة السلفية، وفتح الباري 2 / 55 ط السلفية) .
(2) حاشية الطحطاوي على المراقي ص 98، وابن عابدين 2 / 178 ط الأولى، وبدائع الصنائع 1 / 125.
(3) بلغة السالك 1 / 73، والإقناع 1 / 378 - 379، والمغني 1 / 405.
(4) حديث عائشة رضي الله عنهما: " كن نساء المؤمنات " أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 54 ط السلفية) .
16 - أَمَّا وَقْتُ الظُّهْرِ الْمُسْتَحَبُّ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى الإِْبْرَادِ بِظُهْرِ الصَّيْفِ، وَالتَّعْجِيل بِظُهْرِ الشِّتَاءِ، إِلاَّ فِي يَوْمِ غَيْمٍ فَيُؤَخِّرُ. (1)
وَمَعْنَى الإِْبْرَادِ بِالظُّهْرِ تَأْخِيرُهُ إِلَى أَنْ تَخِفَّ حِدَّةُ الْحَرِّ، وَيَتَمَكَّنُ الذَّاهِبُونَ إِلَى الْمَسْجِدِ مِنَ السَّيْرِ فِي ظِلاَل الْجُدَرَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّأْخِيرُ أَفْضَل لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ (2)
وَلأَِنَّ فِي التَّأْخِيرِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ، وَفِي التَّعْجِيل تَقْلِيلَهَا فَكَانَ أَفْضَل. أَمَّا ظُهْرُ الشِّتَاءِ فَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ؛ لأَِنَّ الصَّلاَةَ فِي أَوَّل وَقْتِهَا رِضْوَانُ اللَّهِ، وَلاَ مَانِعَ مِنَ التَّعْجِيل؛ لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنَ التَّعْجِيل فِي ظُهْرِ الصَّيْفِ لُحُوقُ الضَّرَرِ بِالْمُصَلِّينَ، الأَْمْرُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى تَقْلِيل الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا الْمَانِعُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي ظُهْرِ الشِّتَاءِ، فَكَانَ التَّعْجِيل أَفْضَل. أَمَّا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ فَيُؤَخِّرُ، مَخَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْل دُخُول وَقْتِهِ. (3)
وَذَهَبَتِ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّعْجِيل أَفْضَل صَيْفًا وَشِتَاءً إِلاَّ لِمَنْ يَنْتَظِرُ جَمَاعَةً، فَيُنْدَبُ التَّأْخِيرُ بِرُبُعِ الْقَامَةِ، أَمَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَيُنْدَبُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَبْلُغَ الظِّل نِصْفَ قَامَةٍ. (4)
وَالْمُرَادُ بِرُبُعِ الْقَامَةِ أَوْ نِصْفِهَا - اللَّذَيْنِ يُنْدَبُ
__________
(1) المراجع المذكورة للحنفية والحنابلة في أوقات الصلاة.
(2) حديث: " أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم. . . " سبق تخريجه (ف / 8) .
(3) واللجنة ترى أن هذا إذا لم يكن هناك ضوابط للوقت كالساعات وغيرها.
(4) بلغة السالك 1 / 73.

الصفحة 177