كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

قَارَنَهَا، فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا، وَنَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ عَدَدَ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ اثْنَانِ: عِنْدَ الطُّلُوعِ وَعِنْدَ الاِصْفِرَارِ، أَمَّا وَقْتُ الاِسْتِوَاءِ فَلاَ تُكْرَهُ الصَّلاَةُ فِيهِ عِنْدَهُمْ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ عَمَل أَهْل الْمَدِينَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي وَقْتِ الاِسْتِوَاءِ، وَعَمَل أَهْل الْمَدِينَةِ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لأَِنَّ الْمَدِينَةَ مَوْطِنُ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَالْوَحْيُ كَانَ يَنْزِل بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ، وَالَّذِي يَدُل عَلَى النَّهْيِ فِي وَقْتِ الاِسْتِوَاءِ، لَعَمِلُوا بِهِ. (2)
وَذَهَبَتِ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْوْقَاتَ الثَّلاَثَةَ مَكْرُوهَةٌ إِلاَّ فِي مَكَّةَ، وَإِلاَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الاِسْتِوَاءِ. أَمَّا فِي مَكَّةَ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ (3) .
وَأَمَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الاِسْتِوَاءِ فَلأَِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ فِي وَقْتِ الاِسْتِوَاءِ حَتَّى
__________
(1) حديث: " إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان. . . " أخرجه مالك في الموطأ واللفظ له والنسائي وابن ماجه، وقال الحافظ البوصيري: إسناده مرسل ورجاله ثقات (الموطأ 1 / 219 ط الحلبي، وسنن النسائي 1 / 275، وسنن ابن ماجه 1 / 397 ط الحلبي) .
(2) بداية المجتهد 1 / 53.
(3) البجيرمي على الإقناع 2 / 109 وما بعدها. وحديث: " يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف. . . " أخرجه الترمذي والبغوي من حديث جبير بن مطعم وصححاه (سنن الترمذي 3 / 220 ط الحلبي، وشرح السنة 3 / 331 نشر المكتب الإسلامي) .
يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ عُمَرُ لِيَخْطُبَ فِيهِمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ.
24 - وَلاَ يُعْلَمُ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي كَرَاهَةِ التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ فِي هَذِهِ الأَْوْقَاتِ. أَمَّا السُّنَنُ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى كَرَاهَتِهَا (1) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيل الشَّمْسُ، وَحِينَ تُضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ - أَيْ حِينَ تَمِيل - حَتَّى تَغْرُبَ (2) . وَالْمُرَادُ بِقَبْرِ الْمَوْتَى فِي الْحَدِيثِ صَلاَةُ الْجِنَازَةِ، لاَ الدَّفْنُ، فَإِنَّ الدَّفْنَ فِي هَذِهِ الأَْوْقَاتِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ.
وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا إِبَاحَةُ السُّنَنِ فِي هَذِهِ الأَْوْقَاتِ، إِلاَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ، وَالثَّانِيَةُ: كَرَاهَةُ السُّنَنِ مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الأَْوْقَاتِ.
وَحُجَّتُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الأُْولَى: أَنَّهُ وَرَدَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ دَلِيلاَنِ مُتَعَارِضَانِ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (أَحَدُهُمَا) حَدِيثُ عُقْبَةَ الْمَارُّ ذِكْرُهُ، وَالَّذِي يَدُل عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاَةِ أَيَّ صَلاَةٍ كَانَتْ فِي هَذِهِ الأَْوْقَاتِ.
(ثَانِيهِمَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلاَةِ أَوْ غَفَل فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا (3) ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُل عَلَى جَوَازِ الصَّلاَةِ فِي كُل وَقْتٍ عِنْدَ التَّذَكُّرِ. وَأَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ إِلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ
__________
(1) بدائع الصنائع 1 / 315 وما بعدها.
(2) حديث عقبة بن عامر: " ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي. . . " أخرجه مسلم (صحيح مسلم 1 / 568، 569 ط الحلبي) .
(3) أخرجه مسلم (1 / 477 - ط الحلبي) .

الصفحة 181