كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

وَالْعِشَاءَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ.
وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ لِجَوَازِ هَذَا الْجَمْعِ: أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ لاَ عُمْرَةٍ، وَأَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلاَةُ بِجَمَاعَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ الإِْمَامُ فِي جَمْعِ عَرَفَةَ هُوَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ.
وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ - أَنْ تَكُونَ الصَّلاَةُ بِجَمَاعَةٍ، وَأَجَازُوا لِلْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ الْجَمْعِ وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا، أَمَّا الْجَمْعُ فِي مُزْدَلِفَةَ فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ غَيْرُ الإِْحْرَامِ وَالْمَكَانِ، وَهُوَ مُزْدَلِفَةُ.
40 - وَقَدْ تَضَمَّنَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمْرَيْنِ: (الأَْوَّل) أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ. (الثَّانِي) لاَ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ بِعُذْرِ سَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ.
أَمَّا الأَْمْرُ الأَْوَّل فَدَلِيلُهُ: أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْا نُسُكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجِّهِ، اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ هَذَا الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ.
وَأَمَّا الأَْمْرُ الثَّانِي - وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي غَيْرِ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ بِعُذْرِ سَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ - فَدَلِيلُهُ: أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ عُرِفَتْ مُؤَقَّتَةً بِأَوْقَاتِهَا بِالدَّلاَئِل الْمَقْطُوعِ بِهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالإِْجْمَاعِ، فَلاَ يَجُوزُ تَغْيِيرُهَا عَنْ أَوْقَاتِهَا بِنَوْعٍ مِنَ الاِسْتِدْلاَل وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالسَّفَرُ أَوِ الْمَطَرُ لاَ أَثَرَ لَهُمَا فِي تَأْخِيرِ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ تَقْدِيمِهَا عَنْ وَقْتِهَا. (1)

مَنْ لَمْ يَجِدْ بَعْضَ الأَْوْقَاتِ الْخَمْسَةِ
41 - اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ بَعْضَ
__________
(1) انظر رد المحتار 1 / 256، والبدائع 1 / 127.
الأَْوْقَاتِ الْخَمْسَةِ، كَسُكَّانِ الْمَنَاطِقِ الْقُطْبِيَّةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَنَاطِقَ تَسْتَمِرُّ فِي نَهَارٍ دَائِمٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَفِي لَيْلٍ دَائِمٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أُخْرَى، كَمَا يَقُول الْجُغْرَافِيُّونَ، فَهَل يَجِبُ عَلَى سُكَّانِ هَذِهِ الْمَنَاطِقِ - إِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ - أَنْ يُصَلُّوا الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَمْ يَجِدُوا وَقْتًا لَهَا، بِأَنْ يُقَدِّرُوا لِكُل صَلاَةٍ وَقْتًا أَوْ تَسْقُطُ عَنْهُمْ هَذِهِ الصَّلَوَاتُ؟ .
وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ الْبِلاَدِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْمَنَاطِقِ الْقُطْبِيَّةِ، تَأْتِي فِيهَا فَتَرَاتٌ لاَ يُوجَدُ وَقْتُ الْعِشَاءِ، أَوْ يَطْلُعُ الْفَجْرُ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ مُبَاشَرَةً.
وَفِي بَعْضِ الْمَنَاطِقِ لاَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مُطْلَقًا.
ذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَدَمِ سُقُوطِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ عَنْهُمْ، وَيُقَدِّرُونَ لِكُل صَلاَةٍ وَقْتًا، فَفِي السِّتَّةِ الأَْشْهُرِ الَّتِي تَسْتَمِرُّ فِي نَهَارٍ دَائِمٍ يُقَدِّرُونَ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ وَالْفَجْرِ وَقْتًا، مِثْل ذَلِكَ السِّتَّةُ الأَْشْهُرِ الأُْخْرَى يُقَدِّرُونَ لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتًا، بِاعْتِبَارِ أَقْرَبِ الْبِلاَدِ الَّتِي لاَ تَتَوَارَى فِيهَا الأَْوْقَاتُ الْخَمْسَةُ.
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَيَّامِ الدَّجَّال، الَّذِي هُوَ مِنْ عَلاَمَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى، فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّقْدِيرِ فِيهَا، فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَال: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّال وَلُبْثَهُ فِي الأَْرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا: يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ. قَال الرَّاوِي: قُلْنَا يَا رَسُول اللَّهِ، أَرَأَيْتَ الْيَوْمَ الَّذِي كَالسَّنَةِ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ؟ قَال: لاَ، وَلَكِنِ اقْدُرُوا لَهُ. أَيْ صَلُّوا صَلاَةَ سَنَةٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ كَسَنَةٍ، وَقَدِّرُوا لِكُل صَلاَةٍ وَقْتًا. (1)
__________
(1) حديث: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الدجال ولبثه في الأرض. . . " أخرجه أحمد والترمذي مطولا من حديث النواس بن سمعان الكلابي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. (مسند أحمد بن حنبل 4 / 181 ط الميمنية، وسنن الترمذي 4 / 510 - 514 ط الحلبي) .

الصفحة 188