كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى سُقُوطِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَمْ يَجِدُوا وَقْتًا لَهَا؛ لأَِنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ، فَإِذَا عُدِمَ السَّبَبُ - وَهُوَ الْوَقْتُ - عُدِمَ الْمُسَبَّبُ وَهُوَ الْوُجُوبُ. (1)
وَهَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى الْبِلاَدِ الَّتِي يَقْصُرُ فِيهَا اللَّيْل أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي الصَّيْفِ، فَقَبْل أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ الأَْحْمَرُ، يَظْهَرُ الْفَجْرُ الصَّادِقُ فَلاَ يُوجَدُ وَقْتٌ لِلْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ؛ لأَِنَّ أَوَّل وَقْتِ الْعِشَاءِ مَغِيبُ الشَّفَقِ الأَْحْمَرِ، وَقَدْ ظَهَرَ الْفَجْرُ الصَّادِقُ قَبْل أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ.
فَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِلَى عَدَمِ سُقُوطِ الْوِتْرِ وَالْعِشَاءِ عَنْ أَهْل هَذِهِ الْبِلاَدِ، بَل يُقَدِّرُونَ لِلْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ وَقْتًا بِاعْتِبَارِ أَقْرَبِ الْبِلاَدِ إِلَيْهِمْ. وَذَهَبَ بَعْضٌ آخَرُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى سُقُوطِ الْوِتْرِ وَالْعِشَاءِ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ نُورِ الإِْيضَاحِ وَعِبَارَتُهُ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ. لَكِنَّهُ خِلاَفُ الْمَذْهَبِ وَمَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ (2) إِلَى تَقْدِيرِ مَغِيبِ شَفَقِ أَقْرَبِ الْبِلاَدِ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَ أَقْرَبُ الْبِلاَدِ إِلَيْهِمْ يَغِيبُ فِيهَا الشَّفَقُ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَمُدَّةُ اللَّيْل فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ ثَمَانِي سَاعَاتٍ، فَيَكُونُ أَوَّل الْعِشَاءِ عِنْدَهُمْ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ
__________
(1) الدر المختار ورد المحتار عليه 1 / 242، 244.
(2) بلغة السالك 1 / 72، والمنهاج 1 / 110.
غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَإِذَا كَانَتْ مُدَّةُ اللَّيْل فِي الْبِلاَدِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا عِشَاءٌ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، فَيُقَدَّرُ مَغِيبُ الشَّفَقِ عِنْدَهُمْ بِسَاعَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لأَِنَّ مُدَّةَ بَقَاءِ الشَّفَقِ فِي أَقْرَبِ الْبِلاَدِ إِلَيْهِمْ سَاعَةٌ، وَهِيَ تُعَادِل الثُّمُنَ مِنَ اللَّيْل؛ لأَِنَّ اللَّيْل عِنْدَهُمْ ثَمَانِي سَاعَاتٍ، وَالْبِلاَدُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا عِشَاءٌ وَلَيْلُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، يُقَدَّرُ لِغِيَابِ الشَّفَقِ ثُمُنَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَهِيَ سَاعَةٌ وَنِصْفٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الْعِشَاءِ عَلَى أَهْل هَذِهِ الْبِلاَدِ، وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُمْ. (1)
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَقَلُوا فِيهَا الْخِلاَفَ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ مِنْ مَشَايِخِنَا وَهُمُ: الْبَقَّالِيُّ وَالْحَلْوَانِيُّ وَالْبُرْهَانِيُّ الْكَبِيرُ، وَأَفْتَى الْبَقَّالِيُّ: بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِالْقَضَاءِ، ثُمَّ وَافَقَ الْبَقَّالِيَّ حِينَمَا أَرْسَل إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَمَّنْ أَسْقَطَ صَلاَةً مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: أَيَكْفُرُ؟ فَأَجَابَ الْبَقَّالِيُّ السَّائِل: مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ رِجْلاَهُ كَمْ فُرُوضُ وُضُوئِهِ؟ قَال: ثَلاَثٌ. قَال: فَكَذَلِكَ الصَّلاَةُ، فَاسْتَحْسَنَ الْحَلْوَانِيُّ، وَرَجَعَ إِلَى قَوْل الْبَقَّالِيِّ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. أَمَّا الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ فَقَدْ رَجَّحَ الْقَوْل بِالْوُجُوبِ، وَمَنَعَ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَقَّالِيُّ مِنَ الْقَوْل بِعَدَمِ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ السَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ، كَمَا يَسْقُطُ غُسْل الْيَدَيْنِ عَنْ مَقْطُوعِهِمَا.
وَقَال: لاَ يَرْتَابُ مُتَأَمِّلٌ فِي ثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ عَدَمِ مَحَل الْفَرْضِ، وَبَيْنَ عَدَمِ السَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ. إِلَى أَنْ قَال: وَانْتِفَاءُ الدَّلِيل عَلَى الشَّيْءِ لاَ يَلْزَمُ فِيهِ انْتِفَاءُ هَذَا الشَّيْءِ؛ لِجَوَازِ دَلِيلٍ آخَرَ. وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ
__________
(1) المنهاج 1 / 110.

الصفحة 189