كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (1) ، وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} . (2)
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِل: مَا الْكَبَائِرُ؟ فَقَال: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالإِْيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالأَْمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَهَذَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ (3) قِيل: وَالأَْشْبَهُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا، وَبِكَوْنِهِ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ صَرَّحَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرَانِيُّ. ثُمَّ قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنَّمَا كَانَ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ مِنَ الْكَبَائِرِ لأَِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ. ثُمَّ هَذَا الْيَأْسُ قَدْ يَنْضَمُّ إِلَيْهِ حَالَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَهِيَ التَّصْمِيمُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الرَّحْمَةِ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الْقُنُوطُ، بِحَسَبِ مَا دَل عَلَيْهِ سِيَاقُ الآْيَةِ: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} (4) وَتَارَةً يَنْضَمُّ إِلَيْهِ أَنَّهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ عَدَمَ وُقُوعِ الرَّحْمَةِ لَهُ يَرَى أَنَّهُ سَيُشَدِّدُ عَذَابَهُ كَالْكُفَّارِ. وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِسُوءِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى. (5)
وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْيَأْسِ مِنَ الرِّزْقِ فِي مِثْل قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَبَّةٍ وَسَوَاءٍ ابْنَيْ خَالِدِ لاَ تَيْأَسَا مِنَ الرِّزْقِ مَا تَهَزْهَزَتْ رُءُوسُكُمَا. (6)
وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْقَنُوطِ بِسَبَبِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ أَوْ
__________
(1) سورة يوسف / 87.
(2) سورة الحجر / 56.
(3) حديث: " الكبائر. . . " أخرجه البزار والطبراني كما في المجمع (4 / 104 - ط المقدسي) وقال: ورجاله موثقون.
(4) سورة فصلت / 49.
(5) الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر بتصرف قليل 1 / 82 - 83.
(6) حديث: " لا تيأس من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما " أخرجه أحمد (3 / 469 - ط الميمنية) وابن ماجه (2 / 1394 - ط الحلبي) وقال البوصيري: إسناده صحيح.
حُلُول الْمُصِيبَةِ فِي مِثْل قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآِيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . (1)
وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْيَأْسِ مِنْ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ فِي قَوْله تَعَالَى: {قُل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . (2)
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ، فَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُل شَيْءٍ. وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ فَالإِْنَابَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَطْلُوبَةٌ، وَبَابُ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ جَمِيعًا مَفْتُوحٌ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، أَيْ حِينَ يَيْأَسُ مِنَ الْحَيَاةِ.
فَتَوْبَةُ الْيَائِسِ - وَهِيَ تَوْبَةُ مَنْ يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ كَالْمُحْتَضَرِ - الْمَشْهُورُ أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، كَإِيمَانِ الْيَائِسِ. وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُورِ. وَفَرَّقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ تَوْبَةِ الْيَائِسِ وَإِيمَانِ الْيَائِسِ، فَقَالُوا بِقَبُول الأَْوَّل دُونَ الثَّانِي (3) (ر: احْتِضَارٌ. تَوْبَةٌ) .
أَمَّا مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْيَائِسُ حَقًّا مِنْ مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، (4) بِخِلاَفِ مَنْ مَاتَ عَلَى الإِْيمَانِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُرْجَى لَهُ.
__________
(1) سورة الروم / 36، 37.
(2) سورة الزمر / 53.
(3) وانظر حاشية ابن عابدين 1 / 571 و 3 / 289.
(4) سورة العنكبوت / 23.

الصفحة 201