كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

الْوِلاَيَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ أَعَمُّ مِنَ الْوِصَايَةِ؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُمَلِّكُ صَاحِبَهُ التَّصَرُّفَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ غَيْرِهِ، إِلاَّ أَنَّ الْوِلاَيَةَ قَدْ يَكُونُ مَصْدَرُهَا الشَّرْعَ، كَوِلاَيَةِ الأَْبِ عَلَى ابْنِهِ، (1) وَقَدْ يَكُونُ مَصْدَرُهَا الْعَقْدَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالإِْيصَاءِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِتَوْلِيَةِ صَاحِبِ الشَّأْنِ فِي التَّصَرُّفِ، فَهُوَ الَّذِي يَعْهَدُ إِلَى غَيْرِهِ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ فِي بَعْضِ الأُْمُورِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

ج - الْوَكَالَةُ:
4 - الْوَكَالَةُ: إِقَامَةُ الشَّخْصِ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفِ مَمْلُوكٍ قَابِلٍ لِلنِّيَابَةِ؛ لِيَفْعَلَهُ فِي حَال حَيَاتِهِ.
فَهِيَ تُشْبِهُ الإِْيصَاءَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَفْوِيضٌ لِلْغَيْرِ فِي الْقِيَامِ بِبَعْضِ الأُْمُورِ نِيَابَةً عَمَّنْ فَوَّضَهُ، إِلاَّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ نَاحِيَةِ أَنَّ التَّفْوِيضَ لِلْغَيْرِ فِي الإِْيصَاءِ يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَمَّا فِي الْوَكَالَةِ فَإِنَّ التَّفْوِيضَ يَكُونُ فِي حَال الْحَيَاةِ.
هَذَا وَسَوْفَ يَقْتَصِرُ الْكَلاَمُ فِي هَذَا الْبَحْثِ عَلَى الإِْيصَاءِ بِمَعْنَى إِقَامَةِ الْوَصِيِّ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّةٌ) .

مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ عَقْدُ الإِْيصَاءِ:
5 - يَتَحَقَّقُ عَقْدُ الإِْيصَاءِ بِإِيجَابٍ مِنَ الْمُوصِي، وَقَبُولٍ مِنَ الْمُوصَى إِلَيْهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي الإِْيجَابِ أَنْ يَكُونَ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ، بَل يَصِحُّ بِكُل لَفْظٍ يَدُل عَلَى تَفْوِيضِ الأَْمْرِ إِلَى الْمُوصَى إِلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، مِثْل: جَعَلْتُ فُلاَنًا وَصِيًّا، أَوْ عَهِدْتُ إِلَيْهِ بِمَال أَوْلاَدِي بَعْدَ وَفَاتِي، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
__________
(1) رد المحتار 6 / 647، والشرح الكبير 4 / 375، والإقناع 4 / 24.
وَكَذَلِكَ الْقَبُول، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِكُل مَا يَدُل عَلَى الْمُوَافَقَةِ وَالرِّضَى بِمَا صَدَرَ مِنَ الْمُوصِي، سَوَاءٌ أَكَانَ بِالْقَوْل كَقَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ، أَوْ أَجَزْتُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، أَمْ بِالْفِعْل الدَّال عَلَى الرِّضَى، كَبَيْعِ شَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ شِرَائِهِ شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْوَرَثَةِ، أَوْ قَضَائِهِ لِدَيْنٍ أَوِ اقْتِضَائِهِ لَهُ. (1)
وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي الْقَبُول أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الإِْيجَابِ، بَل يَمْتَدُّ زَمَنُهُ إِلَى مَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأَِنَّ أَثَرَ عَقْدِ الإِْيصَاءِ لاَ يَظْهَرُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَكَانَ الْقَبُول مُمْتَدًّا إِلَى مَا بَعْدَهُ.
وَصَحَّ قَبُول الإِْيصَاءِ فِي حَال حَيَاةِ الْمُوصِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّ تَصَرُّفَ الْمُوصَى إِلَيْهِ يَقَعُ لِمَنْفَعَةِ الْمُوصِي. فَلَوْ وَقَفَ الْقَبُول وَالرَّدُّ عَلَى مَوْتِهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي، وَلَمْ يُسْنِدْ وَصِيَّتَهُ إِلَى أَحَدٍ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إِضْرَارٌ بِهِ، وَهَذَا بِخِلاَفِ قَبُول الْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ مِنَ الْمَال فَإِنَّ قَبُول الْمُوصَى لَهُ لاَ يَكُونُ مُعْتَبَرًا إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأَِنَّ الاِسْتِحْقَاقَ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَا يَدْعُو إِلَى تَقْدِيمِ الْقَبُول عَلَى الْمَوْتِ. (2) وَفِي الْقَوْل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَصِحُّ الْقَبُول فِي الإِْيصَاءِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأَِنَّ الإِْيصَاءَ مُضَافٌ إِلَى الْمَوْتِ، فَقَبْل الْمَوْتِ لَمْ يَدْخُل وَقْتُهُ، فَلاَ يَصِحُّ الْقَبُول أَوِ الرَّدُّ قَبْلَهُ، كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَال.
__________
(1) الاختيار 5 / 66، والدر المختار ورد المحتار 6 / 700، وتبيين الحقائق 6 / 206، ومغني المحتاج 3 / 77.
(2) الروض المربع 2 / 248، والمغني لابن قدامة 6 / 141، والشرح الكبير 4 / 405.

الصفحة 206