كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

يَكُونُ لَهُ تَوْلِيَةُ الْوَصِيِّ هُوَ صَاحِبُ الشَّأْنِ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ؛ لأَِنَّ مَنْ لَهُ وِلاَيَةٌ عَلَى تَصَرُّفٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، كَانَ لَهُ أَنْ يُنِيبَ عَنْهُ غَيْرَهُ فِيهِ لِلْقِيَامِ بِهِ فِي حَال حَيَاتِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، أَمَّا إِنْ كَانَ الإِْيصَاءُ بِرِعَايَةِ الأَْوْلاَدِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، كَالْمَجَانِينِ وَالْمَعْتُوهِينَ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِحِفْظِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِمَا يَنْفَعُهُمْ، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ تَوْلِيَةَ الْوَصِيِّ تَكُونُ لِلأَْبِ؛ لأَِنَّ لِلأَْبِ - عِنْدَهُمْ جَمِيعًا - الْوِلاَيَةُ عَلَى أَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ فِي حَال حَيَاتِهِ، فَيَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي إِقَامَةِ خَلِيفَةٍ عَنْهُ فِي الْوِلاَيَةِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَمِثْل الأَْبِ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْجَدُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (1) وَالشَّافِعِيَّةِ (2) ، فَلَهُ حَقُّ تَوْلِيَةِ الْوَصِيِّ؛ لأَِنَّ الْجَدَّ لَهُ عِنْدَهُمُ الْوِلاَيَةُ عَلَى أَوْلاَدِ أَوْلاَدِهِ وَإِنْ نَزَلُوا، فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الإِْيصَاءِ عَلَيْهِمْ لِمَنْ شَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالأَْبِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ (3) وَالْحَنَابِلَةُ (4) : لَيْسَ لِلْجَدِّ حَقُّ تَوْلِيَةِ وَصِيٍّ عَنْهُ عَلَى أَوْلاَدِ أَوْلاَدِهِ؛ لأَِنَّ الْجَدَّ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عِنْدَهُمْ عَلَى أَمْوَال هَؤُلاَءِ الأَْوْلاَدِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُدْلِي إِلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُدْلِي إِلَيْهِمْ بِالأَْبِ، فَكَانَ كَالأَْخِ وَالْعَمِّ، وَلاَ وِلاَيَةَ لأَِحَدِهِمَا عَلَى مَال أَوْلاَدِ أَخِيهِ، فَكَذَلِكَ الْجَدُّ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَى مَال أَوْلاَدِ أَوْلاَدِهِ.
وَلِوَصِيِّ الأَْبِ حَقُّ الإِْيصَاءِ بَعْدَهُ لِمَنْ شَاءَ عِنْدَ
__________
(1) ابن عابدين 6 / 714.
(2) مغني المحتاج 3 / 76، وشرح المحلى على المنهاج 2 / 304.
(3) الشرح الصغير 2 / 474.
(4) الروض المربع 2 / 249، والمغني 6 / 135.
الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ الأَْبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَكَانَ لَهُ الإِْيصَاءُ كَالأَْبِ، وَيُوَافِقُ الْحَنَفِيَّةَ فِي ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَيَّدُوا حَقَّ الْوَصِيِّ فِي الإِْيصَاءِ لِغَيْرِهِ بِمَا إِذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الأَْبُ مِنَ الإِْيصَاءِ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ مَنَعَهُ مِنَ الإِْيصَاءِ إِلَى غَيْرِهِ، كَأَنْ قَال لَهُ: أَوْصَيْتُكَ عَلَى أَوْلاَدِي، وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُوصِيَ عَلَيْهِمْ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الإِْيصَاءُ. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ: لَيْسَ لِلْوَصِيِّ حَقُّ الإِْيصَاءِ إِلَى غَيْرِهِ، إِلاَّ إِذَا جَعَل لَهُ الإِْيصَاءَ إِلَى غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنِ الْمُوصِي، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّفْوِيضُ إِلَى غَيْرِهِ، إِلاَّ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، كَالْوَكِيل، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ تَوْكِيل غَيْرِهِ فِيمَا وُكِّل فِيهِ، إِلاَّ إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّل، فَكَذَلِكَ (2) الْوَصِيُّ.
وَلِلْقَاضِي إِذَا لَمْ يُوصِ الأَْبُ وَالْجَدُّ أَوْ وَصِيُّهُمَا لأَِحَدٍ أَنْ يُعَيِّنَ وَصِيًّا مِنْ قِبَلِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ. (3) وَالْقَاضِي لاَ يَلِي أُمُورَ الْقَاصِرِينَ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ يَكِل أُمُورَهُمْ إِلَى مَنْ يُعَيِّنُهُمْ مِنَ الأَْوْصِيَاءِ. (4)
أَمَّا الأُْمُّ فَلَيْسَ لَهَا تَوْلِيَةُ الْوَصِيِّ عَلَى أَوْلاَدِهَا عِنْدَ
__________
(1) الشرح الصغير وحاشية الصاوي 2 / 474.
(2) مغني المحتاج 3 / 76، والروض المربع 2 / 249، والمغني لابن قدامة 6 / 142.
(3) حديث: " السلطان ولي من لا ولي له ". أخرجه الترمذي (3 / 408 - ط الحلبي) والحاكم (2 / 168 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(4) الشرح الصغير 2 / 474، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 402، والإقناع 4 / 52، والمنهاج وشرح الجلال 2 / 304، والمغني لابن قدامة 6 / 640، 641، وحاشية ابن عابدين 6 / 722.

الصفحة 209