كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

فَلاَ يَصِحُّ الإِْيصَاءُ إِلَى الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ؛ لأَِنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ عَلَى مَالِهِ، فَلاَ تَكُونُ لَهُ الْوِلاَيَةُ عَلَى غَيْرِهِ وَمَالِهِ، كَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: بُلُوغُ الْمُوصَى إِلَيْهِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الإِْيصَاءِ إِلَيْهِ، بَل الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ هُوَ التَّمْيِيزُ، (1) وَعَلَى هَذَا: لَوْ أَوْصَى الأَْبُ أَوِ الْجَدُّ إِلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِل كَانَ الإِْيصَاءُ صَحِيحًا عِنْدَهُمْ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْوِصَايَةِ، وَيُعَيِّنَ وَصِيًّا آخَرَ بَدَلاً مِنْهُ؛ لأَِنَّ الصَّبِيَّ لاَ يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّفِ، وَلَوْ تَصَرَّفَ قَبْل الإِْخْرَاجِ، قِيل يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَقِيل لاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إِلْزَامُهُ بِالْعُهْدَةِ فِيهِ.
وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِل؛ لأَِنَّ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ وَكَالَتِهِ، وَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاوَزَ الْعَشْرَ. (2)
(2) الْعَدَالَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا: الاِسْتِقَامَةُ فِي الدِّينِ، وَتَتَحَقَّقُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الدِّينِيَّةِ، وَعَدَمِ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ مِنَ الْكَبَائِرِ، كَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى غَيْرِ الْعَدْل - وَهُوَ الْفَاسِقُ - لاَ تَصِحُّ؛ لأَِنَّ الْوِصَايَةَ وِلاَيَةٌ وَائْتِمَانٌ، وَلاَ وِلاَيَةَ وَلاَ ائْتِمَانَ لِفَاسِقٍ. (3)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْعَدَالَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ، فَيَصِحُّ عِنْدَهُمُ الإِْيصَاءُ لِلْفَاسِقِ مَتَى كَانَ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 6 / 702.
(2) المغني 6 / 137.
(3) مغني المحتاج 3 / 74، والمغني 6 / 138.
يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، وَلاَ يُخْشَى مِنْهُ الْخِيَانَةُ. (1) وَيُوَافِقُ الْحَنَفِيَّةَ فِي ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، حَيْثُ إِنَّهُمْ قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْعَدَالَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْوَصِيِّ: الأَْمَانَةُ وَالرِّضَى فِيمَا يَشْرَعُ فِيهِ وَيَفْعَلُهُ، بِأَنْ يَكُونَ حَسَنَ التَّصَرُّفِ، حَافِظًا لِمَال الصَّبِيِّ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْمَصْلَحَةِ. (2)
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ، فَإِنَّهُ قَال فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إِذَا كَانَ (يَعْنِي الْوَصِيَّ) مُتَّهَمًا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ. وَهَذَا يَدُل عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ، وَيَضُمُّ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ أَمِينًا. (3)
أَمَّا الذُّكُورَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْوَصِيِّ، فَيَصِحُّ الإِْيصَاءُ إِلَى الْمَرْأَةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَوْصَى إِلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ، وَلأَِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْل الشَّهَادَةِ كَالرَّجُل، فَتَكُونُ أَهْلاً لِلْوِصَايَةِ مِثْلَهُ. (4)

الْوَقْتُ الْمُعْتَبَرُ لِتَوَافُرِ الشُّرُوطِ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ:
12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَقْتِ الْمُعْتَبَرِ لِتَوَافُرِ الشُّرُوطِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعْتَبَرَ لِتَحَقُّقِ الشُّرُوطِ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ أَوْ عَدَمُ تَحَقُّقِهَا هُوَ وَقْتُ وَفَاةِ الْمُوصِي؛ لأَِنَّ هَذَا الْوَقْتَ هُوَ وَقْتُ اعْتِبَارِ الْقَبُول وَتَنْفِيذُ الإِْيصَاءِ،
__________
(1) الدر وحاشية ابن عابدين 6 / 700.
(2) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 402، والشرح الصغير وحاشية الصاوي 2 / 474.
(3) المغني 6 / 138.
(4) مغني المحتاج 3 / 75، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 402، والمغني 6 / 137.

الصفحة 211