كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

عَلَى الْقَوْل الْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رَأْيُ الإِْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ. (1) وَقَال الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ، وَمُحَمَّدٌ، (2) وَأَبُو يُوسُفَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: لاَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَال الْمُوصَى عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ لِعَدَمِ وُفُورِ شَفَقَتِهِ، مِمَّا يَجْعَلُهُ يُؤْثِرُ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ مَنْ فِي وِصَايَتِهِ؛ وَلأَِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ مَال الْمُوصَى عَلَيْهِمْ، نَظَرَ الْحَاكِمُ فِيهِ، فَإِنْ وَجَدَ فِي شِرَائِهِ مَصْلَحَةً، بِأَنِ اشْتَرَى الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ أَمْضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِ مَصْلَحَةً رَدَّهُ.
وَلِلْوَصِيِّ اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلَهُ تَأْخِيرُ اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ الْحَال إِنْ كَانَ فِي تَأْخِيرِهِ مَصْلَحَةٌ. (3)

ب - وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَال مَنْ فِي وِصَايَتِهِ لِمَنْ يَسْتَثْمِرُهُ اسْتِثْمَارًا شَرْعِيًّا، كَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُشَارَكَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُل مَا لَهُمْ فِيهِ خَيْرٌ وَمَنْفَعَةٌ.
كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَقُومَ بِالاِتِّجَارِ فِيهِ بِنَفْسِهِ، فِي نَظِيرِ جُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ لِلْوَصِيِّ اسْتِثْمَارُ مَال مَنْ فِي وِصَايَتِهِ بِجُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ؛ لِئَلاَّ يُحَابِيَ نَفْسَهُ، فَإِنِ اسْتَثْمَرَهُ مَجَّانًا فَلاَ يُكْرَهُ، بَل هُوَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ. (4) وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَتَى اتَّجَرَ الْوَصِيُّ فِي الْمَال بِنَفْسِهِ، فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْيَتِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ. (5)
__________
(1) تبيين الحقائق 6 / 212، والاختيار 5 / 68.
(2) الشرح الكبير 4 / 405، والمغني 5 / 109، قليوبي 2 / 305.
(3) حاشية الشلبي 6 / 212، والدر وحاشية ابن عابدين 6 / 720.
(4) الشرح الكبير 4 / 405.
(5) المغني 4 / 240.
وَاسْتِثْمَارُ مَال الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ وَاجِبٌ عَلَى الْوَصِيِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِقَوْل عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: ابْتَغُوا فِي أَمْوَال الْيَتَامَى، لاَ تَأْكُلْهَا الصَّدَقَةُ (1) وَمَنْدُوبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ فِيهِ خَيْرًا وَنَفْعًا لأَِصْحَابِ الْمَال، وَالشَّرْعُ يَحُثُّ عَلَى فِعْل مَا فِيهِ الْخَيْرُ لِلنَّاسِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُل عَلَى الْوُجُوبِ، وَالأَْمْرُ بِالاِتِّجَارِ فِي قَوْل عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، كَمَا قَال ابْنُ رُشْدٍ. (2)

ج - وَلِلْوَصِيِّ الإِْنْفَاقُ عَلَى الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ بِحَسَبِ قِلَّةِ الْمَال وَكَثْرَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، فَلاَ يَضِيقُ عَلَى صَاحِبِ الْمَال الْكَثِيرِ دُونَ نَفَقَةِ مِثْلِهِ، وَلاَ يُوَسِّعُ عَلَى صَاحِبِ الْمَال الْقَلِيل بِأَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ مِثْلِهِ.
وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ إِلَيْهِمْ أَوْ إِلَى مَنْ يَكُونُونَ فِي حَضَانَتِهِ لِمُدَّةِ شَهْرٍ، إِذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لاَ يُتْلِفُونَهُ، فَإِنْ خَافَ إِتْلاَفَهُ دَفَعَ إِلَيْهِمْ مَا يَحْتَاجُونَهُ يَوْمًا فَيَوْمًا.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لاَ يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَهُ فِي الْمُصَاهَرَاتِ بَيْنَ الْيَتِيمِ وَالْيَتِيمَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي خَلْعِ الْخَاطِبِ أَوِ الْخَطِيبَةِ، وَفِي الضِّيَافَاتِ الْمُعْتَادَةِ، وَالْهَدَايَا الْمَعْهُودَةِ، وَفِي الأَْعْيَادِ - وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ - وَفِي اتِّخَاذِ ضِيَافَةٍ لِخَتْنِهِ لِلأَْقَارِبِ وَالْجِيرَانِ، مَا لَمْ يُسْرِفْ فِيهِ، وَكَذَا لِمُؤَدِّبِهِ، وَمَنْ عِنْدَهُ مِنَ الصِّبْيَانِ،
__________
(1) الأثر عن عمر: " ابتغوا في أموال اليتامى. . . " أخرجه البيهقي (4 / 107 - ط دائرة المعارف العثمانية) وقال: إسناده صحيح.
(2) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 405، وحاشية الشلبي 6 / 213، والمغني 4 / 240، وحاشية القليوبي 2 / 304، وخبايا الزوايا ص 276.

الصفحة 214