كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

الأَْلْفَاظَ تُسْتَعْمَل فِي الْجِمَاعِ وَفِي غَيْرِهِ اسْتِعْمَالاً وَاحِدًا فَلاَ يَتَعَيَّنُ الْجِمَاعُ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَالَهُ الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّ الأَْلْفَاظَ فِي ذَلِكَ تَنْقَسِمُ إِلَى صَرِيحَةٍ وَكِنَايَةٍ فَقَطْ (1) .

الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ:
6 - أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ دَالَّةً عَلَى الإِْرَادَةِ الْجَازِمَةِ لِلْحَال، وَيَتَحَقَّقُ هَذَا الشَّرْطُ بِخُلُوِّ الصِّيغَةِ مِنْ كُل كَلِمَةٍ تَدُل عَلَى التَّرَدُّدِ أَوِ الشَّكِّ. وَأَلاَّ تَكُونَ مُشْتَمِلَةً عَلَى أَدَاةٍ مِنَ الأَْدَوَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّأْخِيرِ وَالتَّسْوِيفِ، كَحَرْفِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ؛ لأَِنَّ التَّرَدُّدَ كَالرَّفْضِ مِنْ حَيْثُ الْحَكَمُ، وَالتَّأْخِيرُ وَعْدٌ بِإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ فِي الْمُسْتَقْبَل، وَلَيْسَ إِنْشَاءً لَهُ فِي الْحَال، فَالإِْرَادَةُ فِي التَّصَرُّفِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْحَال، وَلاَ يُوجَدُ التَّصَرُّفُ إِلاَّ بِإِرَادَةِ إِنْشَائِهِ فِي الْحَال.
فَمَنْ يَقُول لِزَوْجَتِهِ: وَاللَّهِ سَأَمْنَعُ نَفْسِي مِنْ مُوَاقَعَتِكِ، أَوْ سَوْفَ أَمْنَعُ نَفْسِي مِنْ مُعَاشَرَتِكِ، لاَ يَكُونُ مُولِيًا لأَِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لاَ تَدُل عَلَى إِرَادَةِ مَنْعِ نَفْسِهِ مِنَ الْمُوَاقَعَةِ فِي الْحَال، وَإِنَّمَا تَدُل عَلَى أَنَّهُ سَيَفْعَل ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَل.
هَذَا، وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ لَهُ هُنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْجَزْمِ فِي الإِْرَادَةِ لِلْحَال لاَ يُنَافِي جَوَازَ أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ مُعَلَّقَةً عَلَى حُصُول أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَل، أَوْ مُضَافَةً إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الإِْرَادَةَ فِي الإِْيلاَءِ الْمُعَلَّقِ وَالْمُضَافِ مَقْطُوعٌ بِهَا، لاَ تَرَدُّدَ فِيهَا، غَايَةُ الأَْمْرِ أَنَّ
__________
(1)) البدائع 3 / 162، وابن عابدين 2 / 845، والمغني 7 / 315، 316، والدسوقي على الشرح الكبير 2 / 427، وشرح المنهاج 4 / 10.
الإِْيلاَءَ الْمُعَلَّقَ لَمْ يَحْصُل الْجَزْمُ بِهِ مِنْ قِبَل الْمُولِي فِي الْحَال، بَل عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَالإِْيلاَءُ الْمُضَافُ مَجْزُومٌ بِهِ فِي الْحَال، غَيْرَ أَنَّ ابْتِدَاءَ حُكْمِهِ مُؤَخَّرٌ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ التَّعْلِيقَ وَالإِْضَافَةَ قَدْ صَدَرَا بِإِرَادَةٍ جَازِمَةٍ فِي الْحَال.

الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ: صُدُورُ التَّعْبِيرِ عَنْ قَصْدٍ:
7 - يَتَحَقَّقُ هَذَا الشَّرْطُ بِإِرَادَةِ الزَّوْجِ النُّطْقَ بِالْعِبَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الإِْيلاَءِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ هَذِهِ الإِْرَادَةِ رَغْبَةٌ فِي الإِْيلاَءِ وَارْتِيَاحٌ إِلَيْهِ كَانَ الإِْيلاَءُ صَادِرًا عَنْ رِضًى وَاخْتِيَارٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ وُجِدَتِ الإِْرَادَةُ فَقَطْ، وَانْتَفَتِ الرَّغْبَةُ فِي الإِْيلاَءِ وَالاِرْتِيَاحِ إِلَيْهِ لَمْ يَتَحَقَّقِ الرِّضَى، وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُكْرَهًا عَلَى الإِْيلاَءِ مِنْ زَوْجَتِهِ بِتَهْدِيدِهِ بِالْقَتْل أَوِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوِ الْحَبْسِ الْمَدِيدِ، فَيَصْدُرُ عَنْهُ الإِْيلاَءُ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ مَا هُدِّدَ بِهِ لَوِ امْتَنَعَ، فَإِنَّ صُدُورَ الصِّيغَةِ مِنَ الزَّوْجِ فِي هَذِهِ الْحَال يَكُونُ عَنْ قَصْدٍ وَإِرَادَةٍ، لَكِنْ لَيْسَ عَنْ رِضًى وَاخْتِيَارٍ صَحِيحٍ. وَالإِْيلاَءُ فِي هَذِهِ الْحَال - حَال الإِْكْرَاهِ - غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (1) ، وَإِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِي
__________
(1) حديث: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه ابن ماجه (1 / 659 - ط الحلبي) وغيره من طرق كثيرة ذكرها السخاوي في المقاصد ص 229 - 230 ط السعادة. ثم قال: مجموع هذه الطرق يظهر أن للحديث أصلا.

الصفحة 224