كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعِدَّةُ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ فِي أَثْنَائِهَا لاَ تَكُونُ مَحَلًّا لِلإِْيلاَءِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى، أَمْ بَائِنًا بَيْنُونَةً كُبْرَى؛ لأَِنَّ الطَّلاَقَ الْبَائِنَ بِنَوْعَيْهِ يُزِيل رَابِطَةَ الزَّوْجِيَّةِ، وَلاَ يُبْقِي مِنْ آثَارِ الزَّوَاجِ شَيْئًا سِوَى الْعِدَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ أَحْكَامٍ، فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُطَلِّقِ قُرْبَانُ الْمُطَلَّقَةِ طَلاَقًا بَائِنًا وَلَوْ كَانَتِ الْعِدَّةُ قَائِمَةً، فَإِذَا حَلَفَ الرَّجُل أَلاَّ يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ الَّتِي طَلَّقَهَا طَلاَقًا بَائِنًا كَانَتْ يَمِينُهُ لَغْوًا فِي حُكْمِ الْبِرِّ، حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَقْرَبْهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلاَقٌ ثَانٍ.
أَمَّا فِي حُكْمِ الْحِنْثِ فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ؛ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِمُوجِبِهَا، وَهُوَ عَدَمُ قُرْبَانِهَا، أَيْ أَنَّ حَلِفَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ إِيلاَءً، وَلَكِنَّهُ انْعَقَدَ يَمِينًا.
وَمِثْل هَذَا لَوْ قَال لاِمْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ: وَاللَّهِ لاَ أَقْرَبُكِ، وَأَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ، أَوْ قَال: أَبَدًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ مُولِيًا فِي حُكْمِ الْبِرِّ؛ لِعَدَمِ قِيَامِ النِّكَاحِ حَقِيقَةً وَلاَ حُكْمًا عِنْدَ الْحَلِفِ، حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ الزَّوَاجِ، وَلَمْ يَقْرَبْهَا لاَ يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا عِنْدَ حُصُول الْيَمِينِ، لَكِنْ لَوْ قَرَبَهَا بَعْدَ الزَّوَاجِ أَوْ قَبْلَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لاِنْعِقَادِ الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْحِنْثِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ الْحِنْثِ قِيَامُ النِّكَاحِ، بِخِلاَفِ انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ الْبِرِّ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ النِّكَاحِ (1) .
وَأَمَّا إِضَافَةُ الإِْيلاَءِ إِلَى النِّكَاحِ، فَصُورَتُهُ أَنْ يَقُول الرَّجُل لاِمْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ: إِنْ تَزَوَّجْتُكِ فَوَاللَّهِ لاَ
__________
(1) البدائع 3 / 871.
أَقْرَبُكِ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ أَجَازُوا إِضَافَةَ الطَّلاَقِ أَوْ تَعْلِيقَهُ عَلَى النِّكَاحِ (1) ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَالْمَرْأَةُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ زَوْجَةٌ، فَتَكُونُ مَحَلًّا لِلإِْيلاَءِ الْمُضَافِ إِلَى النِّكَاحِ، كَمَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلاَقِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لاَ يَصِحُّ الإِْيلاَءُ الْمُضَافُ إِلَى النِّكَاحِ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَل الإِْيلاَءَ مِنَ الزَّوْجَةِ، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي يُضَافُ الإِْيلاَءُ مِنْهَا إِلَى نِكَاحِهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً عِنْدَ حُصُول الإِْيلاَءِ، فَلاَ يَكُونُ الإِْيلاَءُ مِنْهَا صَحِيحًا؛ وَلأَِنَّ الإِْيلاَءَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ لاَ يَتَقَدَّمُهُ، كَالطَّلاَقِ وَالْقَسَمِ؛ وَلأَِنَّ الْمُدَّةَ تُضْرَبُ لِلْمُولِي لِقَصْدِهِ الإِْضْرَارَ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْيَمِينُ قَبْل النِّكَاحِ لَمْ يَتَحَقَّقْ هَذَا الْقَصْدُ، فَأَشْبَهَ الْمُمْتَنِعَ بِغَيْرِ يَمِينٍ (2) .
12 - وَالْخِلاَفُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِ الطَّلاَقِ وَالإِْيلاَءِ بِالنِّكَاحِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي التَّعْلِيقِ وَأَثَرِهِ فِي التَّصَرُّفِ الْمُعَلَّقِ. فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: التَّعْلِيقُ يُؤَخِّرُ انْعِقَادَ التَّصَرُّفِ الْمُعَلَّقِ سَبَبًا لِحُكْمِهِ حَتَّى يُوجَدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ. فَالتَّصَرُّفُ الْمُعَلَّقُ لاَ وُجُودَ لَهُ عِنْدَ التَّكَلُّمِ بِالصِّيغَةِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمُ: التَّعْلِيقُ لاَ يُؤَخِّرُ انْعِقَادَ التَّصَرُّفِ سَبَبًا لِحُكْمِهِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ تَرَتُّبَ
__________
(1) البدائع 3 / 171، وحاشية ابن عابدين 2 / 843، والشرح الكبير 2 / 370، والخرشي 3 / 176.
(2) مغني المحتاج 3 / 292، والمغني لابن قدامة 7 / 312.

الصفحة 228