كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

حَالاً مِنَ النَّائِمِ، إِذِ النَّائِمُ يَنْتَبِهُ بِالتَّنْبِيهِ، أَمَّا السَّكْرَانُ فَلاَ يَنْتَبِهُ إِلاَّ بَعْدَ الإِْفَاقَةِ مِنَ السُّكْرِ، فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرِ الإِْيلاَءُ الصَّادِرُ مِنَ النَّائِمِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ الإِْيلاَءُ الصَّادِرُ مِنَ السَّكْرَانِ بِالطَّرِيقِ الأَْوْلَى.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ السُّكْرُ بِطَرِيقٍ مُحَرَّمٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْرَبَ الْمُسْكِرَ بِاخْتِيَارِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْكِرٌ، مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ حَتَّى يَسْكَرَ، فَقَال بَعْضُهُمْ: يُعْتَبَرُ إِيلاَؤُهُ، وَهُوَ قَوْل جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا تَنَاوَل الْمُحَرَّمَ بِاخْتِيَارِهِ يَكُونُ قَدْ تَسَبَّبَ فِي زَوَال عَقْلِهِ، فَيُجْعَل مَوْجُودًا عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا عَنِ ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ (1) .
وَقَال بَعْضُهُمْ: لاَ يُعْتَبَرُ إِيلاَؤُهُ، وَهُوَ قَوْل زُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْل أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ تَعْتَمِدُ عَلَى الْقَصْدِ وَالإِْرَادَةِ الصَّحِيحَةِ، وَالسَّكْرَانُ قَدْ غَلَبَ السُّكْرُ عَلَى عَقْلِهِ، فَلاَ يَكُونُ عِنْدَهُ قَصْدٌ وَلاَ إِرَادَةٌ صَحِيحَةٌ، فَلاَ يُعْتَدُّ بِالْعِبَارَةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُ، كَمَا لاَ يُعْتَدُّ بِالْعِبَارَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ.
وَالشَّارِعُ لَمْ يَتْرُكِ السَّكْرَانَ بِدُونِ عُقُوبَةٍ عَلَى سُكْرِهِ، حَتَّى نَحْتَاجَ إِلَى عُقُوبَةٍ أُخْرَى نُنْزِلُهَا بِهِ، خُصُوصًا إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْعُقُوبَةُ الأُْخْرَى لاَ تَقْتَصِرُ عَلَى الْجَانِي، بَل تَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الزَّوْجَةِ وَالأَْوْلاَدِ.
__________
(1) الهداية وفتح القدير 3 / 40، والبدائع 3 / 99، والخرشي 3 / 171، 172، ومغني المحتاج 3 / 279، والمغني لابن قدامة 7 / 114.
وَأَسَاسُ هَذَا الاِخْتِلاَفِ هُوَ الاِخْتِلاَفُ فِي اعْتِبَارِ طَلاَقِهِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ: فَمَنْ قَال بِاعْتِبَارِ طَلاَقِهِ قَال بِاعْتِبَارِ إِيلاَئِهِ، وَمَنْ قَال بِعَدَمِ اعْتِبَارِ طَلاَقِهِ قَال بِعَدَمِ اعْتِبَارِ إِيلاَئِهِ؛ لأَِنَّ الإِْيلاَءَ كَطَلاَقٍ مُعَلَّقٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَسَبَبٌ لِلطَّلاَقِ عِنْدَ آخَرِينَ، فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُهُ (1) .

د - مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُدَّةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا:
14 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الإِْيلاَءَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ مُدَّةٍ يَحْلِفُ الزَّوْجُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ فِيهَا.
لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ هَذِهِ الْمُدَّةِ. فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مُدَّةَ الإِْيلاَءِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَهُوَ قَوْل عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
فَلَوْ حَلَفَ الرَّجُل عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ أَقَل مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لاَ يَكُونُ إِيلاَءً، بَل يَكُونُ يَمِينًا. فَإِذَا حَنِثَ بِالْوَطْءِ قَبْل مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ الزَّوْجُ: أَلاَّ يَطَأَ زَوْجَتَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَانَ إِيلاَءً بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ: أَلاَّ يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً، أَوْ قَال: أَبَدًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ إِيلاَءً بِالاِتِّفَاقِ أَيْضًا. أَمَّا لَوْ حَلَفَ أَلاَّ يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ إِيلاَءً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلاَ يَكُونُ إِيلاَءً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَلَوْ حَلَفَ: أَلاَّ يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ أَقَل مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ إِيلاَءً عِنْدَ الْجَمِيعِ (2) .
__________
(1) نفس المراجع.
(2) البدائع 3 / 171، والهداية وفتح القدير 3 / 183، وحاشية ابن عابدين 2 / 485، والخرشي 3 / 230، ومغني المحتاج 3 / 343، والمغني لابن قدامة 7 / 300.

الصفحة 230