كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

الذَّنْبِ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ، وَالَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الإِْضْرَارُ بِزَوْجَاتِهِمْ وَإِيقَاعُ الأَْذَى بِهِنَّ، وَاللَّهُ يَغْفِرُهُ لَهُمْ بِالْكَفَّارَةِ عَنْهُ، وَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى تَنْفِيذِ يَمِينِهِمْ وَهَجْرِ زَوْجَاتِهِمْ، فَلَمْ يَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إِصْرَارًا مِنْهُمْ عَلَى الطَّلاَقِ، فَيَكُونُ إِيلاَؤُهُمْ طَلاَقًا، فَتَطْلُقُ مِنْهُمْ زَوْجَاتُهُمْ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى تَطْلِيقٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنَ الْقَاضِي، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى ضَرَرِ زَوْجَاتِهِمْ.
وَمَعْنَى الآْيَةِ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الأَْزْوَاجَ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ زَوْجَاتِهِمْ يُمْهَلُونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ فَاءُوا وَرَجَعُوا عَمَّا مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْهُ بَعْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَا حَدَثَ مِنْهُمْ مِنَ الْيَمِينِ وَالْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ الضَّرَرِ، وَإِنْ عَزَمُوا عَلَى الطَّلاَقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لِمَا يَقَعُ مِنْهُمْ مِنَ الطَّلاَقِ، عَلِيمٌ بِمَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ. وَمِمَّا اسْتَدَل بِهِ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُهَيْل بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَال: سَأَلْتُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ قَالُوا: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَيُوقَفُ، فَإِنْ فَاءَ وَإِلاَّ طَلَّقَ (1) .
__________
(1) منتقى الأخبار مع شرح نيل الأوطار 6 / 272، الطبعة الثالثة (1380 هـ) - (1961) مصطفى البابي الحلبي. وحديث أبي صالح: " سألت اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه الدارقطني (4 / 61 - ط دار المحاسن) وإسناده صحيح. (فتح الباري 9 / 429 - ط السلفية) .
نَوْعُ الطَّلاَقِ الَّذِي يَقَعُ نَتِيجَةً لِلإِْيلاَءِ:
18 - إِذَا وَقَعَ الطَّلاَقُ نَتِيجَةً لِلإِْيلاَءِ، سَوَاءٌ أَكَانَ وُقُوعُهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِذَلِكَ مِنَ الْفُقَهَاءِ، أَمْ كَانَ وُقُوعُهُ بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ، بِنَاءً عَلَى أَمْرِ الْقَاضِي لَهُ بِالطَّلاَقِ، أَوْ بِإِيقَاعِ الْقَاضِي عِنْدَ امْتِنَاعِ الزَّوْجِ مِنَ الطَّلاَقِ عِنْدَ مَنْ لاَ يَقُول بِوُقُوعِ الطَّلاَقِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلاَقًا بَائِنًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي فُرْقَةِ الْحَاكِمِ (1) . لأَِنَّهُ طَلاَقٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الزَّوْجَةِ، وَلاَ يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْهَا إِلاَّ بِالطَّلاَقِ الْبَائِنِ، إِذْ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لاَسْتَطَاعَ الزَّوْجُ إِعَادَتَهَا فَلاَ تَتَخَلَّصُ مِنَ الضَّرَرِ؛ وَلأَِنَّ الْقَوْل بِوُقُوعِ الطَّلاَقِ رَجْعِيًّا يُؤَدِّي إِلَى الْعَبَثِ؛ لأَِنَّ الزَّوْجَ إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْفَيْءِ وَالتَّطْلِيقِ يُقَدَّمُ إِلَى الْقَاضِي لِيُطَلِّقَ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي يُرَاجِعُهَا ثَانِيًا، فَيَكُونُ مَا فَعَلَهُ الْقَاضِي عَبَثًا، وَالْعَبَثُ لاَ يَجُوزُ.
وَقَال مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: إِنَّ الطَّلاَقَ الْوَاقِعَ بِالإِْيلاَءِ طَلاَقٌ رَجْعِيٌّ مَا دَامَتِ الْمَرْأَةُ قَدْ دَخَل بِهَا الزَّوْجُ قَبْل ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ طَلاَقٌ لاِمْرَأَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلاَ اسْتِيفَاءِ عَدَدٍ، فَيَكُونُ رَجْعِيًّا كَالطَّلاَقِ فِي غَيْرِ الإِْيلاَءِ.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ شَيْئًا لِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ مِنَ الْمُولِي، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا - وَقَدْ بَقِيَتْ مُدَّةُ الإِْيلاَءِ - ضُرِبَتْ لَهُ مُدَّةٌ أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَفِئْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمَرْأَةِ.
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ انْحِلاَل الْيَمِينِ عَنْهُ فِي الْعِدَّةِ بِالْوَطْءِ فِيهَا، أَوْ بِتَكْفِيرِ مَا يُكَفِّرُ، أَوْ
__________
(1) البدائع 3 / 177، والمغني لابن قدامة 7 / 331.

الصفحة 233