كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْفَيْءَ الْجِمَاعُ، وَلاَ يَكُونُ مَا دُونَ الْجِمَاعِ فَيْئًا.
وَيَنْبَنِي عَلَى الْفَيْءِ بِالْفِعْل انْحِلاَل الإِْيلاَءِ، وَلُزُومُ مُقْتَضَى الْيَمِينِ؛ لأَِنَّهُ بِالْجِمَاعِ يَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ، وَالْيَمِينُ لاَ يَبْقَى بَعْدَ الْحِنْثِ، إِذِ الْحِنْثُ يَقْتَضِي نَقْضَ الْيَمِينِ، وَالشَّيْءُ لاَ يَبْقَى مَعَ وُجُودِ مَا يَنْقُضُهُ (1) .
22 - فَإِنْ كَانَتِ الْيَمِينُ قَسَمًا بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا، كَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلاَلِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
وَإِنْ كَانَتِ الْيَمِينُ بِتَعْلِيقِ شَيْءٍ عَلَى قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْقُرْبَانِ طَلاَقًا أَوْ عِتْقًا وَقَعَ الطَّلاَقُ وَالْعِتْقُ وَقْتَ حُصُول الْفَيْءِ؛ لأَِنَّ الطَّلاَقَ وَالْعِتْقَ مَتَى عُلِّقَ حُصُولُهُ عَلَى حُصُول أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَل، وَوُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَقَعَ الطَّلاَقُ وَثَبَتَ الْعِتْقُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْقُرْبَانِ صَلاَةً أَوْ صِيَامًا أَوْ حَجًّا أَوْ صَدَقَةً، فَإِمَّا أَنْ يُعَيِّنَ لأَِدَائِهِ وَقْتًا أَوْ لاَ يُعَيِّنَ.
فَإِنْ عَيَّنَ لِلأَْدَاءِ وَقْتًا كَأَنْ يَقُول: إِنْ قَرُبْتُ زَوْجَتِي مُدَّةَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ فَعَلَيَّ صَلاَةُ مِائَةِ رَكْعَةٍ فِي يَوْمِ كَذَا (مَثَلاً) لَزِمَتْهُ الصَّلاَةُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ. وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لِلأَْدَاءِ وَقْتًا وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْل مَا الْتَزَمَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ، وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ فِي التَّأْخِيرِ، وَإِنْ كَانَ الأَْفْضَل الأَْدَاءَ فِي أَوَّل وَقْتٍ يُمْكِنُهُ الأَْدَاءُ فِيهِ خَوْفًا مِنَ انْتِهَاءِ الأَْجَل قَبْل أَنْ يُؤَدِّيَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ.
__________
(1) البدائع 3 / 173، 178، والمغني لابن قدامة 7 / 324.
ب - الطَّرِيقُ الاِسْتِثْنَائِيَّة فِي الْفَيْءِ: الْفَيْءُ بِالْقَوْل:
23 - إِذَا آلَى الرَّجُل مِنْ زَوْجَتِهِ كَانَ الْوَاجِبُ شَرْعًا عَلَيْهِ أَنْ يَفِيءَ إِلَيْهَا بِالْفِعْل، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفَيْءِ بِالْفِعْل لَزِمَهُ الْفَيْءُ بِالْقَوْل. كَأَنْ يَقُول: فِئْتُ إِلَى زَوْجَتِي فُلاَنَةَ، أَوْ رَجَعْتُ عَمَّا قُلْتُ، أَوْ مَتَى قَدَرْتُ جَامَعْتُهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ كُل مَا يَدُل عَلَى رُجُوعِهِ عَمَّا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْهُ بِالْيَمِينِ.
وَالْحِكْمَةُ فِي تَشْرِيعِ الْفَيْءِ بِالْقَوْل: أَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا آذَى زَوْجَتَهُ بِالاِمْتِنَاعِ عَنْ قُرْبَانِهَا، وَعَجَزَ عَنِ الرُّجُوعِ، وَكَانَ فِي إِعْلاَنِهِ الْوَعْدُ بِهِ إِرْضَاءً لَهَا لَزِمَهُ هَذَا الْوَعْدُ؛ وَلأَِنَّ الْمَقْصُودَ بِالْفَيْئَةِ تَرْكُ الإِْضْرَارِ الَّذِي قَصَدَهُ الزَّوْجُ بِالإِْيلاَءِ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ بِظُهُورِ عَزْمِهِ عَلَى الْعَوْدِ إِلَى مُعَاشَرَتِهَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ (1) .

شَرَائِطُ صِحَّةِ الْفَيْءِ بِالْقَوْل:
24 - لاَ يَصِحُّ الْفَيْءُ بِالْقَوْل إِلاَّ إِذَا تَوَافَرَتْ فِيهِ الشَّرَائِطُ الآْتِيَةُ:
الشَّرِيطَةُ الأُْولَى: الْعَجْزُ عَنِ الْجِمَاعِ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَادِرًا عَلَى الْجِمَاعِ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ الْفَيْءُ بِالْقَوْل؛ لأَِنَّ الْفَيْءَ بِالْجِمَاعِ هُوَ الأَْصْل، إِذْ بِهِ يَنْدَفِعُ الظُّلْمُ عَنِ الزَّوْجَةِ حَقِيقَةً، وَالْفَيْءُ بِالْقَوْل خَلَفٌ عَنْهُ، وَلاَ عِبْرَةَ بِالْخَلَفِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الأَْصْل، كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ.
وَالْعَجْزُ نَوْعَانِ: عَجْزٌ حَقِيقِيٌّ وَعَجْزٌ حُكْمِيٌّ.
وَالْعَجْزُ الْحَقِيقِيُّ، مِثْل أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَرِيضًا مَرَضًا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجِمَاعُ، أَوْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً لاَ يُجَامَعُ مِثْلُهَا، أَوْ تَكُونَ رَتْقَاءَ: وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ بِهَا انْسِدَادُ مَوْضِعِ الْجِمَاعِ مِنَ الْفَرَجِ، بِحَيْثُ
__________
(1) البدائع 3 / 173، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 438، ومغني المحتاج 3 / 350، والمغني لابن قدامة 7 / 327.

الصفحة 235