كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

لاَ يُسْتَطَاعُ جِمَاعُهَا، أَوْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا: وَهُوَ الَّذِي اسْتُؤْصِل مِنْهُ عُضْوُ التَّنَاسُل، أَوْ يَكُونَ عِنِّينًا: وَهُوَ مَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ مَعَ وُجُودِ عُضْوِ التَّنَاسُل لِضَعْفٍ أَوْ كِبَرِ سِنٍّ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَحْبُوسًا حَبْسًا يَحُول دُونَ الْوُصُول إِلَى الْجِمَاعِ، أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِهَا فِي مُدَّةِ الإِْيلاَءِ (1) .
وَالْعَجْزُ الْحُكْمِيُّ، هُوَ عِنْدَمَا يَكُونُ الْمَانِعُ عَنِ الْجِمَاعِ شَرْعِيًّا، كَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَائِضًا عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ (هَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالْفَيْءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الإِْيلاَءِ) أَوْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَقْتَ الإِْيلاَءِ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحَلُّل مِنَ الإِْحْرَامِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (وَهَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْفَيْءُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي مُدَّةِ الإِْيلاَءِ) .
فَإِنْ كَانَ الْعَجْزُ حَقِيقِيًّا انْتَقَل الْفَيْءُ مِنَ الْفِعْل إِلَى الْقَوْل بِالاِتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْعَجْزُ حُكْمِيًّا انْتَقَل الْفَيْءُ مِنَ الْفِعْل إِلَى الْقَوْل أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ لِلشَّافِعِيَّةِ. وَلاَ يَنْتَقِل عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَالشَّافِعِيِّ. وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُطَالَبُ بِالطَّلاَقِ (2) .
وَحُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِالاِنْتِقَال: أَنَّ الْعَجْزَ الْحُكْمِيَّ كَالْعَجْزِ الْحَقِيقِيِّ فِي أُصُول الشَّرِيعَةِ، كَمَا فِي الْخَلْوَةِ بِالزَّوْجَةِ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَانِعُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ فِي الْمَنْعِ مِنْ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ، فَكَذَلِكَ الْفَيْءُ فِي الإِْيلاَءِ يَقُومُ فِيهِ الْعَجْزُ الْحُكْمِيُّ مَقَامَ الْعَجْزِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 852.
(2) البدائع 3 / 174، والخرشي على مختصر خليل 3 / 239، ومغني المحتاج 3 / 350، والمغني لابن قدامة 7 / 328.
الْحَقِيقِيِّ فِي صِحَّةِ الْفَيْءِ بِالْقَوْل بَدَلاً مِنَ الْفَيْءِ بِالْفِعْل.
وَحُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الاِنْتِقَال: أَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى الْجِمَاعِ حَقِيقَةً، وَالاِمْتِنَاعُ عَنْهُ إِنَّمَا جَاءَ بِسَبَبٍ مِنْهُ، فَلاَ يُسْقِطُ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُتَسَبِّبُ بِاخْتِيَارِهِ فِيمَا لَزِمَهُ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ فَلاَ يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ (1) .
الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ: دَوَامُ الْعَجْزِ عَنِ الْجِمَاعِ إِلَى أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الإِْيلاَءِ، فَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَاجِزًا عَنِ الْجِمَاعِ فِي مَبْدَأِ الأَْمْرِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ بَطَل الْفَيْءُ بِالْقَوْل، وَانْتَقَل إِلَى الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ الزَّوْجَةَ وَلَمْ يَقْرَبْهَا إِلَى أَنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَذَلِكَ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْفَيْءَ بِاللِّسَانِ بَدَلٌ عَنِ الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الأَْصْل قَبْل حُصُول الْمَقْصُودِ بِالْبَدَل بَطَل حُكْمُ الْبَدَل، كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ قَبْل أَدَاءِ الصَّلاَةِ.
وَإِذَا آلَى الرَّجُل مِنْ زَوْجَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ، ثُمَّ مَرِضَ، فَإِنْ مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ وَهُوَ صَحِيحٌ يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ فِيهَا، فَلاَ يَصِحُّ فَيْؤُهُ بِالْقَوْل؛ لأَِنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِمَاعِ مُدَّةَ الصِّحَّةِ، فَإِذَا لَمْ يُجَامِعْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَكُونُ قَدْ فَرَّطَ فِي إِيفَاءِ حَقِّ زَوْجَتِهِ، فَلاَ يُعْذَرُ بِالْمَرَضِ الْحَادِثِ. أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ - وَهُوَ صَحِيحٌ يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ فِيهَا - فَإِنَّ فَيْئَهُ بِالْقَوْل يَكُونُ صَحِيحًا؛ لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجِمَاعِ فِي مُدَّةِ الصِّحَّةِ لِقِصَرِهَا، لَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا فِي تَرْكِ الْجِمَاعِ، فَكَانَ مَعْذُورًا.
__________
(1) فتح القدير 3 / 169، والمغني 7 / 328.

الصفحة 236