كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الإِْيلاَمِ:

أ - الإِْيلاَمُ الصَّادِرُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى:
5 - قَدْ يَبْتَلِي اللَّهُ تَعَالَى بَعْضَ عِبَادِهِ بِالآْلاَمِ الْجَسَدِيَّةِ كَالأَْمْرَاضِ وَالأَْسْقَامِ، أَوْ بِالآْلاَمِ النَّفْسِيَّةِ كَالأَْحْزَانِ وَالْهُمُومِ، وَمَا عَلَى الإِْنْسَانِ إِذَا نَزَل بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ الصَّبْرُ، عَمَلاً بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَجَبًا لأَِمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَِحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ (1) . لأَِنَّ فِي هَذَا الصَّبْرِ عَلَى الاِبْتِلاَءِ تَكْفِيرًا لِسَيِّئَاتِهِ، وَإِعْلاَءً لِدَرَجَاتِهِ، قَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فِيمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلاَ نَصَبٍ وَلاَ سَقَمٍ وَلاَ حَزَنٍ، حَتَّى الْهَمَّ يُهِمَّهُ، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ (2) وَلاَ يُنَافِي هَذَا الأَْخْذَ بِالأَْسْبَابِ الَّتِي وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِدَفْعِ هَذَا الْبَلاَءِ أَوْ رَفْعِهِ، كَالدَّوَاءِ وَالدُّعَاءِ وَالْوِقَايَةِ.

ب - الإِْيلاَمُ الصَّادِرُ عَنِ الْعِبَادِ:
6 - إِذَا كَانَ الإِْيلاَمُ صَادِرًا عَنِ الْعِبَادِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ نَتِيجَةَ اعْتِدَاءٍ يُقْصَدُ مِنْهُ الإِْضْرَارُ نَفْسِيًّا أَمْ جَسَدِيًّا فَإِنَّ فِي هَذَا الإِْيلاَمِ إِثْمًا، فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (3)
__________
(1) حديث: " عجبا لأمر المؤمن. . . . " أخرجه مسلم (4 / 2295 - ط الحلبي) .
(2) حديث: " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 103 - ط السلفية) ومسلم (4 / 1193 ط الحلبي)
(3) سورة البقرة / 190.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ (1) ، كَمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ أَوِ التَّعْوِيضُ الْمَالِيُّ أَوِ التَّعْزِيرُ، بِحَسَبِ الْحَال، وَتَفْصِيلُهُ فِي الْجِنَايَاتِ وَالتَّعْزِيرِ.
7 - وَقَدْ يَكُونُ مُوجِبُ الإِْيلاَمِ الضَّمَانَ وَحْدَهُ، أَوْ مَعَ التَّعْزِيرِ كَمَا فِي حَالاَتِ الْجِنَايَةِ خَطَأً عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، عَلَى مَا فَصَّلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ. وَقَدْ ضَمَّنَ عُمَرُ إِفْزَاعَ رَجُلٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. فَقَدْ رُوِيَ
أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَقُصُّ شَارِبَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَفْزَعَهُ عُمَرُ. فَضَرَطَ الرَّجُل، فَقَال عُمَرُ: إِنَّا لَمْ نُرِدْ هَذَا، وَلَكِنَّا سَنَعْقِلُهَا لَكَ. فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. قَال الرَّاوِي وَأَحْسَبُهُ قَال: وَشَاةٌ أَوْ عِنَاقًا (2) .
8 - الإِْيلاَمُ الَّذِي يُجْعَل وَسِيلَةً لِلإِْصْلاَحِ عِنْدَمَا يَجِبُ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْحُدُودِ، أَوْ عِنْدَمَا يَتَرَجَّحُ لَدَى وَلِيِّ الأَْمْرِ جَدْوَاهُ فِي الإِْصْلاَحِ، كَالتَّعْزِيرِ وَالتَّأْدِيبِ، لاَ يَجُوزُ تَخْفِيفُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الإِْيلاَمِ، وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ نَزْعِ الْحَشْوِ وَالْفَرْوِ عَنِ الْمَجْلُودِ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ؛ لِيَصِل الأَْلَمُ إِلَى جِلْدِهِ (3) .
__________
(1) حديث: " لا ضرر ولا ضرار ". رواه ابن ماجه (2 / 784 ط الحلبي) وغيره عن ابن عباس. وهو صحيح بطرقه (فيض القدير 6 / 431 - 432 - ط المكتبة التجارية) .
(2) أثر: " أن عمر بن الخطاب قد ضمن إفزاع رجل بأربعين درهما. . . " أخرجه ابن حزم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية. قال محمد منير الدمشقي محقق المحلى: إسماعيل هذا لم يدرك عمر، وفي السند رجل مجهول لا يدرى من هو (مصنف عبد الرزاق 10 / 24، والمحلى لابن حزم 10 / 459) .
(3) حاشية ابن عابدين 3 / 170.

الصفحة 241