كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

إِلَى الْحَلِفِ، هُوَ الأَْمْرُ الَّذِي يُخْشَى تَخَلُّفُهُ، وَهُوَ الْوَفَاءُ بِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الإِْنْشَائِيَّةِ.
فَمَنْ حَلَفَ فَقَال: وَاللَّهِ لأََقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ غَدًا، وَقَدْ حَثَّ نَفْسَهُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَهَذَا الْحَثُّ قَدْ حَصَل بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ، فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى الْقَسَمِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، فَالْقَسَمُ إِذَنْ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْحَثِّ الْمُسْتَتْبِعِ لأَِثَرِهِ، وَهُوَ حُصُول الْقَضَاءِ بِالْفِعْل فِي غَدٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى خَبَرِيٌّ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَقْضِهِ حَقَّهُ لَكَانَ حَانِثًا.
فَمَنْ قَال: لأََقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ. أَثْبَتَ مَعْنَيَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) إِنْشَائِيٌّ، وَهُوَ حَثُّ نَفْسِهِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الصَّرِيحُ.
(وَثَانِيهِمَا) خَبَرِيٌّ، وَهُوَ الإِْخْبَارُ بِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ سَيَحْصُل فِي الْغَدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى ضِمْنِيٌّ، وَالْيَمِينُ إِنَّمَا أُتِيَ بِهَا مِنْ أَجْل هَذَا الْمَعْنَى الضِّمْنِيِّ.
وَلِهَذَا لاَ يَصِحُّ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُجَابَ الْقَسَمُ بِفِعْل الأَْمْرِ، وَلاَ بِفِعْل النَّهْيِ، فَلاَ يُقَال: وَاللَّهِ قُمْ، أَوْ لاَ تَقُمْ.

مُرَادِفَاتُ الْيَمِينِ:
10 - قَال الْكَمَال: أَسْمَاءُ هَذَا الْمَعْنَى التَّوْكِيدِيِّ سِتَّةٌ: الْحَلِفُ وَالْقَسَمُ وَالْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَالإِْيلاَءُ وَالْيَمِينُ (1) .
فَالْيَمِينُ مُرَادِفَةٌ لِلأَْلْفَاظِ الْخَمْسَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ مَعَهَا.
وَهُنَاكَ أَلْفَاظٌ أُخْرَى، فَقَدْ أَفَادَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ قَال إِنْسَانٌ: أَشْهَدُ أَوْ أَعْزِمُ أَوْ شَهِدْتُ أَوْ عَزَمْتُ بِاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا. كَانَ يَمِينًا؛ لأَِنَّ الْعَزْمَ
__________
(1) فتح القدير 4 / 3.
مَعْنَاهُ الإِْيجَابُ؛ وَلأَِنَّ الشَّهَادَةَ وَرَدَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّك لَرَسُول اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّك لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) فَالآْيَةُ الثَّانِيَةُ أَفَادَتْ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ يَمِينٌ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْعَزْمَ مِنْ مُرَادِفَاتِ الْيَمِينِ عُرْفًا، وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ الذِّمَّةَ كَالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، فَمَنْ قَال: عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَانَ يَمِينًا.
11 - وَأَفَادَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الإِْنْسَانُ صَوْمًا، كَأَنْ قَال: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَلَمْ يَخْطِرِ الْيَمِينُ بِبَالِهِ، أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَفَى الْيَمِينَ كَانَ نَذْرًا فَقَطْ. وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَنَفَى النَّذْرَ كَانَ يَمِينًا فَقَطْ. وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إِنْ أَفْطَرَ. وَإِنْ نَوَاهُمَا مَعًا، أَوْ نَوَى الْيَمِينَ وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ النَّذْرُ كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا، حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ قَضَى وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ صِيغَةَ النَّذْرِ تَكُونُ يَمِينًا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَتَكُونُ مِنْ قَبِيل الْكِنَايَةِ، بِخِلاَفِ الأَْلْفَاظِ السَّابِقَةِ، فَظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ أَنَّهَا صَرِيحَةٌ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا كِنَايَةً عِنْدَ غَيْرِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي. وَسَيَأْتِي الْخِلاَفُ فِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ مِثْل عَلَيَّ نَذْرٌ. وَسَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ الْكَفَالَةَ وَالأَْمَانَةَ الْمُضَافَيْنِ لِلَّهِ كَالْعَهْدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا: مَنْ قَال: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ مِيثَاقُهُ، أَوْ ذِمَّتُهُ، أَوْ كَفَالَتُهُ، أَوْ أَمَانَتُهُ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لاَ أَفْعَل كَذَا، كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ يَمِينًا بِالنِّيَّةِ.
12 - هَذَا مَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَقَدْ يَجِدُ الْبَاحِثُ فِي
__________
(1) سورة المنافقون 1 - 2.

الصفحة 248