كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا، وَسَكَتَ الْحَنَابِلَةُ عَنْهَا، وَأَطْلَقُوا انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِصِفَتِهِ تَعَالَى الْمُضَافَةِ إِلَيْهِ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ بِصِفَتِهِ الْفِعْلِيَّةِ. (1)
الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ وَالْحَقِّ
أ - الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ أَوِ الْمُصْحَفِ:
30 - الْمُعْتَمَدُ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ يَمِينٌ؛ لأَِنَّ الْقُرْآنَ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ الذَّاتِيَّةُ، وَقَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ، وَالأَْيْمَانُ تُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ.
أَمَّا الْحَلِفُ بِالْمُصْحَفِ، فَإِنْ قَال الْحَالِفُ: أُقْسِمُ بِمَا فِي هَذَا الْمُصْحَفِ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا. أَمَّا لَوْ قَال: أُقْسِمُ بِالْمُصْحَفِ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ يَمِينًا؛ لأَِنَّ الْمُصْحَفَ لَيْسَ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى، إِذْ هُوَ الْوَرَقُ وَالْجِلْدُ، فَإِنْ أَرَادَ مَا فِيهِ كَانَ يَمِينًا لِلْعُرْفِ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِالْقُرْآنِ وَبِالْمُصْحَفِ، وَبِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَبِآيَةِ الْكُرْسِيِّ أَوْ غَيْرِهَا، وَبِالتَّوْرَاةِ وَبِالإِْنْجِيل وَبِالزَّبُورِ؛ لأَِنَّ كُل ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى كَلاَمِهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ، لَكِنْ لَوْ أَرَادَ بِالْمُصْحَفِ النُّقُوشَ وَالْوَرَقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا. (3)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَالتَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيل مَا لَمْ يُرِدِ الأَْلْفَاظَ، وَبِالْقُرْآنِ
__________
(1) البدائع 3 / 6، وابن عابدين 3 / 52، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير 1 / 329، 330، ونهاية المحتاج 8 / 164، 165، ومطالب أولي النهى 6 / 358 - 361.
(2) فتح القدير 3 / 10، وحاشية ابن عابدين 3 / 52، والبدائع 3 / 8، 9.
(3) الشرح الصغير بحاشية الصاوي 1 / 329 - 330.
وَبِالْمُصْحَفِ مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ وَرَقَهُ وَجِلْدَهُ؛ لأَِنَّهُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ لاَ يَنْصَرِفُ عُرْفًا إِلاَّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الْحَلِفُ بِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُصْحَفِ وَالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيل وَالزَّبُورِ يَمِينٌ، وَكَذَا الْحَلِفُ بِسُورَةٍ أَوْ آيَةٍ. (2)

ب - الْحَلِفُ بِالْحَقِّ، أَوْ حَقِّ اللَّهِ:
31 - لاَ شَكَّ أَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الأَْسْمَاءِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ، وَقَدْ مَثَّل بِهِ الشَّافِعِيَّةُ لِلأَْسْمَاءِ الَّتِي تَنْصَرِفُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ تَنْصَرِفُ إِلَى غَيْرِهِ إِلاَّ بِالتَّقْيِيدِ، فَعَلَى هَذَا مَنْ قَال: وَالْحَقِّ لأََفْعَلَنَّ كَذَا، إِنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ كَانَ يَمِينًا بِلاَ خِلاَفٍ، وَإِنْ أَرَادَ الْعَدْل أَوْ أَرَادَ شَيْئًا مَا مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي تَكُونُ لِلإِْنْسَانِ عَلَى الإِْنْسَانِ قُبِل مِنْهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
32 - وَأَمَّا (حَقٌّ) الْمُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ إِلَى اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ مِنَ الأَْسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الَّتِي تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهَا فَفِيهِ خِلاَفٌ.
فَالْحَنَفِيَّةُ نَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ قَال: (وَحَقِّ اللَّهِ) يَكُنْ يَمِينًا. وَوَجَّهَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ بِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى هُوَ الطَّاعَاتُ وَالْعِبَادَاتُ، فَلَيْسَ اسْمًا وَلاَ صِفَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَل.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يَمِينٌ؛ لأَِنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى، وَهُوَ حَقِيقَةٌ، فَكَأَنَّ الْحَالِفَ قَال: وَاللَّهِ الْحَقِّ، وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ. وَاخْتَارَ
__________
(1) نهاية المحتاج 8 / 167.
(2) مطالب أولي النهى 6 / 361.

الصفحة 256