كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

(الْقَوْل الأَْوَّل) أَنَّهُ يَقَعُ إِذَا تَحَقَّقَ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ جَارِيًا مَجْرَى الْيَمِينِ أَمْ لاَ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
(الْقَوْل الثَّانِي) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَا جَرَى مَجْرَى الْيَمِينِ وَمَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَاهُ.
فَالأَْوَّل لاَ يَقَعُ وَإِنْ وَقَعَ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي يَقَعُ عِنْدَ وُقُوعِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا رَأْيُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَابْنِ الْقَيِّمِ جَمْعًا بَيْنَ مَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ. وَهَل تَجِبُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِيمَا جَرَى مَجْرَى الْيَمِينِ أَوْ لاَ تَجِبُ؟
اخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمِ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ؛ لأَِنَّهَا يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ يَشْمَلُهَا قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَْيْمَانَ} (1) وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ (ر: طَلاَقٌ) .
وَأَمَّا النَّاحِيَةُ الثَّانِيَةُ فَخُلاَصَتُهَا: أَنَّ مَنْ قَال بِالْوُقُوعِ - وَهُمُ الْجُمْهُورُ - اخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَتِهِ يَمِينًا، فَالْحَنَفِيَّةُ يَجْعَلُونَهُ يَمِينًا مَتَى كَانَ تَعْلِيقًا مَحْضًا، وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ مَا يُقْصَدُ بِالْيَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا يَقُولُونَ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ وَالْتِزَامِ الْقُرْبَةِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَقُولُونَ جَمِيعًا: إِنَّ تَعْلِيقَ الطَّلاَقِ يُسَمَّى يَمِينًا عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَمَنْ لَمْ يُسَمِّهِ يَمِينًا مِنْهُمْ لاَ يُخَالِفُ مَنْ يُسَمِّيهِ يَمِينًا إِلاَّ فِي التَّسْمِيَةِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ إِنْسَانٌ
__________
(1) سورة المائدة / 89. وارجع أيضا إلى إعلام الموقعين 3 / 62 - 92 وهو المثال الثامن.
أَلاَّ يَحْلِفَ، ثُمَّ عَلَّقَ طَلاَقًا عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ، حَنِثَ عِنْدَ مَنْ يُسَمِّي هَذَا التَّعْلِيقَ يَمِينًا، وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ مَنْ لاَ يُسَمِّيهِ يَمِينًا.

تَعْلِيقُ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ:
73 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: تَعْلِيقُ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ يُسَمَّى يَمِينًا، سَوَاءٌ أَقُصِدَ بِهِ مَا يُقْصَدُ بِالأَْيْمَانِ أَمْ لاَ. (1)
فَلَوْ قَال: إِنْ كَلَّمْتُ فُلاَنًا، أَوْ: إِنْ لَمْ أُكَلِّمْ فُلاَنًا، أَوْ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الأَْمْرُ كَمَا قُلْتُهُ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَلاَةٌ، فَهَذَا كُلُّهُ يُسَمَّى نَذْرًا، وَيُسَمَّى أَيْضًا يَمِينًا، وَهُوَ جَارٍ مَجْرَى الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ فِي
الْمِثَال الأَْوَّل: يُؤَكِّدُ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ تَكْلِيمِ فُلاَنٍ. وَفِي
الْمِثَال الثَّانِي: يُؤَكِّدُ حَثَّ نَفْسِهِ عَلَى تَكْلِيمِهِ. وَفِي
الْمِثَال الثَّالِثِ: يُؤَكِّدُ الْخَبَرَ الَّذِي يُنَاقِضُ مَضْمُونَ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
وَلَوْ قَال: إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَعَلَيَّ عُمْرَةٌ فَهُوَ نَذْرٌ أَيْضًا، وَيُسَمَّى يَمِينًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
74 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْلِيقِ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ مِنْ نَاحِيَتَيْنِ:
أَمَّا النَّاحِيَةُ الأُْولَى: فَخُلاَصَتُهَا أَنَّ النَّذْرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ جَارِيًا مَجْرَى الْيَمِينِ أَوْ لاَ.
فَإِنْ كَانَ جَارِيًا مَجْرَى الْيَمِينِ - وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ - فَفِيهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ لِلْفُقَهَاءِ:
(الأَْوَّل) أَنَّ الْقَائِل يُخَيَّرُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ بَيْنَ الإِْتْيَانِ بِمَا الْتَزَمَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَهَذَا الْقَوْل هُوَ آخِرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الإِْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
__________
(1) البدائع 3 / 22، وفتح القدير 4 / 3.

الصفحة 273