كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

يَشْتَرِطُونَهَا فِي تَعْلِيقِ الْكُفْرِ إِنَّمَا هُمُ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَهَا فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى.
وَالْخُلاَصَةُ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلاَقِ وَنَحْوِهِ يَصِحُّ فِي الْمَاضِي كَمَا يَصِحُّ فِي الْمُسْتَقْبَل؛ لأَِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ غَمُوسًا عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْوَاقِعِ، بِخِلاَفِ تَعْلِيقِ الْكُفْرِ، فَمَنْ قَال: إِنْ كَانَ الأَْمْرُ عَلَى خِلاَفِ مَا قُلْتُهُ، أَوْ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الأَْمْرُ كَمَا قُلْتُهُ، أَوْ: إِنْ كَانَ الأَْمْرُ عَلَى مَا قَال فُلاَنٌ فَامْرَأَتِي كَذَا، أَوْ: فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ، أَوْ: فَهُوَ يَهُودِيٌّ، فَإِنْ كَانَ مَا أَثْبَتَهُ مَنْفِيًّا فِي الْوَاقِعِ، أَوْ مَا نَفَاهُ ثَابِتًا فِي الْوَاقِعِ طَلُقَتِ امْرَأَتُهُ فِي الصُّورَةِ الأُْولَى، وَتُخَيَّرُ بَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ مِنَ الصِّيَامِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الصُّورَةِ الأَْخِيرَةِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِعَدَمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ.

مَا يُشْتَرَطُ فِي جُمْلَةِ الْجَزَاءِ:
88 - لَيْسَ كُل تَعْلِيقٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا شَرْعًا، وَإِنَّمَا الَّذِي يَصْلُحُ مَا كَانَ جَزَاؤُهُ وَاحِدًا مِنْ سِتَّةٍ، وَهِيَ: الطَّلاَقُ وَالْعَتَاقُ وَالْتِزَامُ الْقُرْبَةِ وَالْكُفْرُ وَالظِّهَارُ وَالْحَرَامُ.
فَيُشْتَرَطُ فِي جُمْلَةِ الْجَزَاءِ: أَنْ يَكُونَ مَضْمُونُهَا وَاحِدًا فِي هَذِهِ السِّتَّةِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِالأَْرْبَعَةِ الأُْوَل فَقَطْ، وَلَمْ يَذْكُرُوا تَعْلِيقَ الظِّهَارِ، وَلاَ تَعْلِيقَ الْحَرَامِ، لَكِنَّهُمْ جَعَلُوا تَحْرِيمَ الْحَلاَل فِي حُكْمِ الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ يَشْمَل الْمُنَجَّزَ وَالْمُعَلَّقَ، فَلَمْ يَبْقَ خَارِجًا عَنْ كَلاَمِهِمْ سِوَى تَعْلِيقِ الظِّهَارِ. (1)
__________
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 35 / 242، 272، والشرح الكبير للدردير على مختصر خليل 1 / 32، 33.
وَيُشْتَرَطُ فِي جُمْلَةِ الْجَزَاءِ شَرِيطَةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ: أَلاَّ يَذْكُرَ فِيهَا اسْتِثْنَاءً بِنَحْوِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، فَمَنْ قَال: إِنْ فَعَلْتِ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ قَال أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِنْ فَعَلْتِ كَذَا، أَوْ قَال أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ فَعَلْتِ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَل تَعْلِيقُهُ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.
وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، فَقَالُوا: لاَ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ فِيمَا لاَ كَفَّارَةَ فِيهِ، وَمَثَّل لَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالْتِزَامِ الْقُرْبَةِ، وَمَثَّل لَهُ الْحَنَابِلَةُ بِالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ فَقَطْ؛ لأَِنَّ الْتِزَامَ الْقُرْبَةِ بِقَصْدِ الْيَمِينِ يَلْزَمُ فِيهِ مَا الْتَزَمَهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَيُخَيَّرُ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الاِسْتِثْنَاءُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي: الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَبِالظِّهَارِ، وَقَوْل الْقَائِل: عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ عَلَيَّ كَفَّارَةٌ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي: الْحَلِفِ بِاللَّهِ، وَالظِّهَارِ، وَفِي تَعْلِيقِ النَّذْرِ بِقَصْدِ الْحَلِفِ، وَتَعْلِيقِ الْكُفْرِ.
وَهَذَا الْمَنْقُول عَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ هُوَ أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَدْ رَجَّحَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الرِّوَايَةَ الأُْخْرَى الْمُوَافِقَةَ لِقَوْل الْجُمْهُورِ، فَقَال: هَذَا الْقَوْل هُوَ الصَّوَابُ الْمَأْثُورُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ (1) .
لَكِنْ جَرَى صَاحِبُ الْمُنْتَهَى وَغَيْرُهُ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَشِيئَةِ بِمَا يُكَفِّرُ عَنْهُ (2) فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ
__________
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية 35 / 284.
(2) مطالب أولي النهى 6 / 369.

الصفحة 277