كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

الآْلاَتِ وَالأَْسْبَابِ وَالْجَوَارِحِ وَالأَْعْضَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ هَذِهِ الاِسْتِطَاعَةُ فَلَمْ يَفْعَل حَنِثَ، وَإِلاَّ لَمْ يَحْنَثْ.
وَهَذَا لأَِنَّ لَفْظَ الاِسْتِطَاعَةِ يَحْتَمِل كُلًّا مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ.
قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْمُشْرِكِينَ: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَْرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} (1) وَقَال عَزَّ وَجَل حَاكِيًا خِطَابَ الْخِضْرِ لِمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ {قَال إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} (2) وَالْمُرَادُ فِي الآْيَتَيْنِ الاِسْتِطَاعَةُ الْمُقَارِنَةُ لِلْفِعْل، وَقَال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (3) وَقَال جَل شَأْنُهُ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4) وَالْمُرَادُ بِالاِسْتِطَاعَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَلاَمَةُ الأَْسْبَابِ وَالآْلاَتِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَجَبَ أَنْ يُحْمَل عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي - وَهُوَ سَلاَمَةُ الأَْسْبَابِ - لأَِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُرَادُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَيَنْصَرِفُ إِلَيْهِ اللَّفْظُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ. (5)
__________
(1) سورة هود / 20.
(2) سورة الكهف / 67.
(3) سورة آل عمران / 97.
(4) سورة المجادلة / 3، 4.
(5) البدائع 3 / 15، وحاشية ابن عابدين 3 / 100.
أَثَرُ الاِسْتِثْنَاءِ وَمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ:
93 - وَالاِسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِل " بِإِلاَّ " وَنَحْوِهَا مَتَى وُجِدَتْ شَرَائِطُهُ أَفَادَ التَّخْصِيصَ فِي الْيَمِينِ الْقَسَمِيَّةِ والتَّعْلِيقِيَّةِ، وَفِي غَيْرِ الْيَمِينِ أَيْضًا، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: وَاللَّهِ لاَ آكُل سَمْنًا إِلاَّ فِي الشِّتَاءِ، وَإِنْ أَكَلْتُهُ فِي غَيْرِ الشِّتَاءِ فَنِسَائِي طَوَالِقُ إِلاَّ فُلاَنَةَ، أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إِلاَّ فُلاَنًا، وَإِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى مَكَّةَ إِلاَّ أَنْ يُكَلِّمَنِي ابْتِدَاءً.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا أَيْضًا قَوْل الْقَائِل: لِفُلاَنٍ عَلَيَّ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ إِلاَّ ثَلاَثَةً، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إِلاَّ اثْنَتَيْنِ كَمَا سَبَقَ.
وَالاِسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى تَعْلِيقِ الْمَشِيئَةِ وَنَحْوِهِ يُفِيدُ إِبْطَال الْكَلاَمِ الَّذِي قَبْلَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ يَمِينًا قَسَمِيَّةً أَمْ يَمِينًا تَعْلِيقِيَّةً أَمْ غَيْرَهُمَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ - وَهِيَ أَرْجَحُهُمَا - إِلَى أَنَّهُ لاَ يُفِيدُ الإِْبْطَال، إِلاَّ فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا فِيهِ كَفَّارَةٌ، فَالطَّلاَقُ وَالْعَتَاقُ لاَ يَبْطُلاَنِ بِتَعْلِيقِ الْمَشِيئَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَا مُنَجَّزَيْنِ أَمْ مُعَلَّقَيْنِ، فَمَنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ إِنْ خَرَجْتِ مِنَ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، يَقَعُ طَلاَقُهُ مُنَجَّزًا فِي الْمِثَال الأَْوَّل، وَيَقَعُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْمِثَال الثَّانِي، وَعِنْدَ خُرُوجِهَا مِنَ الدَّارِ فِي الْمِثَال الثَّالِثِ، وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ بِقَصْدِ الْيَمِينِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَلْزَمُهُ فِيهِ مَا الْتَزَمَهُ، فَلاَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْمَشِيئَةِ فَلاَ تَبْطُل الْيَمِينُ بِهِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ تَعْلِيقُهُ بِالْمَشِيئَةِ. وَهُنَاكَ قَوْلٌ

الصفحة 279