كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

كَانَ مَعَ الْيَمِينِ مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا صَحَّ الاِسْتِثْنَاءُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ النُّطْقِ بِالْيَمِينِ صَحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَعَلَيْهِ لَوْ حَلَفَ، فَذَكَّرَهُ إِنْسَانٌ قَائِلاً: قُل إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَقَالَهُ بِغَيْرِ فَصْلٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي نِيَّتِهِ مِنْ قَبْل فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَنَفِيَّةُ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ.
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ شَرَطُوا الْقَصْدَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْمَعْنَى، وَشَرَطُوا كَوْنَ الْقَصْدِ قَبْل الْفَرَاغِ مِنَ الْيَمِينِ، وَقَالُوا: لَوْ لَمْ يَقْصِدِ الاِسْتِثْنَاءَ إِلاَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْيَمِينِ لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ رَفْعُ الْيَمِينِ بَعْدَ انْعِقَادِهَا، وَقَالُوا أَيْضًا: يَصِحُّ تَقْدِيمُ الاِسْتِثْنَاءِ وَتَوْسِيطُهُ. (1)
100 - (الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ) : أَنْ يَكُونَ حَلِفُهُ فِي غَيْرِ تَوَثُّقٍ بِحَقٍّ.
وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ نَصَّ عَلَيْهَا الْمَالِكِيَّةُ. وَإِيضَاحُهَا: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الاِسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ الَّذِي ذُكِرَ مَعَهُ الاِسْتِثْنَاءُ فِي غَيْرِ تَوَثُّقٍ بِحَقٍّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ أَلاَّ يَضُرَّ زَوْجَتَهُ فِي عِشْرَةٍ، أَوْ لاَ يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا، وَكَأَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ فِي بَيْعٍ أَنْ يَأْتِيَ بِالثَّمَنِ فِي وَقْتِ كَذَا، وَطُلِبَ مِنْهُ يَمِينٌ عَلَى ذَلِكَ، فَحَلَفَ وَاسْتَثْنَى سِرًّا لَمْ يُفِدْهُ الاِسْتِثْنَاءُ عِنْدَ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ وَابْنِ الْمَوَّازِ؛ لأَِنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ عِنْدَ هَؤُلاَءِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، خِلاَفًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْفَعُ الاِسْتِثْنَاءُ فِيمَا ذُكِرَ، فَلاَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِمَنْعِهِ حَقَّ الْغَيْرِ. (2)
__________
(1) المغني والشرح الكبير 11 / 228 - 229.
(2) أقرب المسالك مع بلغة السالك وحاشيته 1 / 331، والشرح الكبير بحاشية الدسوقي 2 / 129 - 130.
وَالَّذِي يَتَصَفَّحُ كُتُبَ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى يَجِدُ أَنَّهُ مَا مِنْ مَذْهَبٍ إِلاَّ يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ - وَسَيَأْتِي ذَلِكَ - فَيُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ بِأَنْ يُقَال: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الاِسْتِثْنَاءِ أَلاَّ يَكُونَ عَلَى خِلاَفِ نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ، فِي الصُّوَرِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا مُرَاعَاةُ نِيَّتِهِ.

أَحْكَامُ الْيَمِينِ
101 - تَقَدَّمَ أَنَّ الْيَمِينَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَسَمِيَّةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ تَعْلِيقِيَّةً. وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ.

أَحْكَامُ الْيَمِينِ الْقَسَمِيَّةِ:
أَحْكَامُ الْيَمِينِ الْقَسَمِيَّةِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهَا، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ هَذِهِ الأَْنْوَاعِ ثُمَّ بَيَانُ أَحْكَامِهَا.

أَنْوَاعُ الْيَمِينِ الْقَسَمِيَّةِ:
قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الْيَمِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَمَا أُلْحِقَ بِهَا كَتَعْلِيقِ الْكُفْرِ - مِنْ حَيْثُ الْكَذِبُ وَعَدَمُهُ - إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَالْيَمِينُ اللَّغْوُ، وَالْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ.
102 - فَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ: هِيَ الْكَاذِبَةُ عَمْدًا فِي الْمَاضِي أَوِ الْحَال أَوِ الاِسْتِقْبَال، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى النَّفْيِ أَمْ عَلَى الإِْثْبَاتِ كَأَنْ يَقُول: وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ، أَوْ وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، أَوْ: وَاللَّهِ مَا لَكَ عَلَيَّ دَيْنٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ لِلْمُخَاطَبِ دَيْنًا عَلَيْهِ، أَوْ: وَاللَّهِ لاَ أَمُوتُ أَبَدًا.

الصفحة 282